علي حسين (السعلي)
قرأت بجلاء بحثا نقديا للدكتور نعمان كدوة الكاتب المسرحي والمحاضر المتخصص في عالم النقد الفني والأدبي والثقافي، والأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز، كان ذلك حول بحثه المحكم الذي عنونه بالخصائص الفنية في الدراما الذهنية [نهر الجنون] نموذجا لتوفيق الحكيم، والحكيم يعد كأول عربي تخصص في تأليف المسرحيات الذهنية والتي تقوم على خشبة مسرح الذهن كما أسماها د. نعمان في بحثه وليس على خشبة المسرح كما هو متداول عن الجمهور.. الدكتور نعمان طرح معنى المسرح الذهني قبل توفيق الحكيم غربيا، بل كما كتب د. نعمان في بحثه النقدي حول توفيق الحكيم نفسه «وقف على عرض أندريه جيد للملك أديب أبدى فيه اعتراضه الشخصي على طريقته الذهنية التي طالما فضلها وأقر في الوقت نفسه بأنه لو قدر له كتابة « الملك أوديب «قبل عقد من الزمان لكان ربما قد كتبها على الطريقة الذهنية التي انتقد أندريه جيد عليها»!
الدكتور نعمان اعتمد في بحثه النقدي على مبحثين الأول منهما:
لمحة مقتضبة عن مصطلح الدراما الذهنية بشكل عام. وعند توفيق الحكيم بشكل خاص مع التعريض على الغايات المنظورة ضمن إطار المفهوم وكيفية تمثل العناصر المسرحية الفنية في هذا النوع طبقا للمفهوم وفكره وغايته.
المبحث الثاني: تناول نص مسرحية «نهر الجنون» بالتحليل الفني لاستنطاق وصف خصائص العناصر المسرحية في الدراما الذهنية وختم الدراسة بالنتائج المستخلصة من مبحثي الدراسة وأهم المصادر والمراجع.
ونأتي الآن إلى بعض تفصيل المبحثين كما جاء في دراسة الدكتور نعمان ومنها:
- مفهوم الدراما الذهنية «المسرح الذهني».
الارتقاء بفكر الإنسان المناقش لقضاياه إلى فضاءات تمكنه من التفكير في أسبابها وبحث حلول بمأمن من الرقابة المفضية إلى إعاقة التفكير أو العقوبة لجوهر القضايا المعالجة دراميا.
- مفهوم الدراما الذهنية وغايتها عند توفيق الحكيم:
صراع الفكر مع الفكر مستمدة من مضامين فكرية وفلسفية بجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرمزية أشخاصا غير مجسدة لا يعنى بأبعادها النفسية والاجتماعية والمادية بالاعتماد على صراع الأحداث التي تكون أقطابه الشخصيات بحتمية الزمان والمكان باعتبارها من العناصر الرئيسة في الدراما في هكذا نوع....
وأكد دكتور نعمان في بحثه على: جعل الحوار شاعريا في المسرح الذهني كما هو في نص «نهر الجنون» لتوفيق الحكيم.
- تأثيرات غاية الدراما الذهنية على الجوانب الشكلية الفنية.. ثم ذكر في بحثه عن أهم الخصائص والسمات المميزة للعناصر المسرحية في الدراما الذهنية، المنسجمة مع الغاية من هذا التوجه الدرامي:
- الفكرة والحادثة، وليس الحدث ومن أبرز هذه الأفكار «القدر، الحظ، الفضيلة، الرذيلة، والوهم..».
- الشخصيات، ويبرز صراع الأفكار.
- الحوارات ولغتها.
- الزمان والمكان.
- الصراع.
- العقدة والحبكة.
وذكر الدكتور نعمان كدوة في مبحثه الثاني من هذه الدراسة:
تمظهر العناصر المسرحية في قالب الدراما الذهنية (مسرحية نهر الجنون نموذجا).
الجدير بالذكر أن مختصر مسرحية «نهر الجنون» لتوفيق الحكيم:
تدور أحداثها في مملكة بعيدة وقديمة جدا، ولكن الحقيقة والقيمة واحدة والمتداولون عليها مختلفون فقط في أزمنة وأمكنة مختلفة أيضا.. ووقائعها تدور حول شخصية الملك والوزير من جهة، والشعب من جهة ثانية، وبينهما نهر اسمه نهر الجنون، فمن شربه صار مجنونا، والغريب أو الطريف في المسرحية أن الشعب –كما تورد المسرحية- شرب كله وارتوى من نهر الجنون، فصار شعبا مجنونا بامتياز، والملك والوزير لم يشربا من النهر فظلا عاقلين، وصارا ينظران إلى الشعب على أنه شعب مجنون، والشعب ينظر إليهما على أنهما مجنونان أيضا، وتبادل الطرفان التهمة بالجنون، فكلاهما مجنون بالنسبة للطرف الآخر، ولات من يفري في القضية ليظهر لنا من هو السليم والعاقل من المجنون..
ملاحظاتي على بحث الدكتور نعمان:
- كنت متمنيا دراسة الاقتباس في نص «نهر الجنون» لتوفيق الحكيم فذكر في النص والعنوان نهرا وهذا مقتبس تناصا في قوله تعالى [فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه] (البقرة: 249).
- كذلك في سورة يوسف عليه السلام والتي اعتمدت على أولها حلم وانتهت بتحقيق ذاك الحلم قوله تعالى:
(إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (4) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين).
هذا التناص في رأيي فيه من النص ما يعززه رمزا من حلم الملك كذلك النهر وسم الأفاعي وعدم الشرب منه وما أوقع الملكة في النص ورئيس الأطباء والكهنة في حيرة شرب الملك ووزيره نبيذ الكرم مخمورين تاركا شرب ماء النهر، فالحكاية كلها تدور حول النهر ومكان القصر! وما تبع ذلك من حكاية كيد إخوة يوسف عليه السلام عليه وعلى أخيه من قبل في هذه السورة تماما كما لما حصل من حيرة الجميع من ملكهم المخمور، وكيده في انفراج العقدة في نص «نهر الجنون» بالرضوخ لشرب ماء النهر لئلا يفقد الملك قبضته على شعبه وضياع ملكه.
سطر وفاصلة
سأل حبيبته ذات ضباب:
ما الذي يفرحك؟
قالت بعد أن ابتسمت: الحوار معك والسؤال عنك!
فأردف مستغربا: لكن أنا أتمزق شوقا لرؤيتك!
قالت معاتبة بعد أن نزعت فراشها ولبست قميص النوم ذي اللون الأحمر ومشطت شعرها وهي تنظر في المرآة تزيل بقايا الأصباغ بوجهها القمري:
وأنا كذلك.