هادي بن شرجاب المحامض
لطالما كانت القيادة الحكيمة سمة مميزة في تاريخ المملكة، وخصوصًا في المناطق التي تحتفظ بهويتها الثقافية والتراثية العريقة، من بين هؤلاء القادة الذين تركوا بصمات لا تُنسى في خدمة الوطن والمواطنين، يبرز الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد كرمز للعدل والنزاهة في منطقة نجران.
تميز الأمير جلوي بإدارته التي تعتمد على معايير دقيقة ومقاييس عادلة في جميع الأمور، حيث لم يكن قراره ينبع من مصلحة شخصية أو تأثير خارجي. بل كان هدفه الأول دائمًا هو تحقيق العدالة وإنصاف الجميع، دون السماح لأي اعتبارات جانبية بالتأثير على اتخاذ القرار. هذا التمسك بالحق أرسى دعائم قوية في منطقة نجران، وجعل إدارته نموذجًا يحتذى به على مستوى المملكة.
خلال عاصفة الحزم وإعادة الأمل، برز الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد كقائد قوي وثابت، متواجد دائمًا على رأس الجهات الحكومية في نجران. حرص على متابعة الأوضاع الداخلية بدقة، وتأكد من أن الأحداث العسكرية خلف الحدود لم تؤثر على تقديم الخدمات الحيوية للمواطنين، مثل التعليم والصحة والتنمية. بفضل حضوره الدائم ومتابعته المستمرة، أصبح الأمير جلوي صمام أمان داخلي للمنطقة في تلك الفترة الحرجة.
لم يقتصر دوره على متابعة الأوضاع عن بُعد، بل كان يقوم بزيارات ميدانية مستمرة إلى الحدود لتقديم الدعم والمؤازرة للقوات المرابطة. كما حرص على الإشراف المباشر على أماكن سقوط المقذوفات، وزار المصابين وقدم العزاء لأسر الشهداء. كانت هذه المواقف تجسيدًا لالتزامه الكامل تجاه المنطقة وأبنائها.
على الصعيد الشخصي، لم يتمتع الأمير جلوي بإجازاته، بل ظل متواجدًا في المنطقة حتى في أيام الأعياد، مؤكدًا التزامه بمسؤولياته. ومن اللافت أن الأمير جلوي يتمتع بمعرفة دقيقة بكل جزء من منطقة نجران، بما في ذلك الحدود. فهو قد قطع بسيارته مختلف أرجاء المنطقة، بدءًا من حدودها الغربية في بدر الجنوب والسد، حتى وقوفه في المثلث الحدودي بين السعودية واليمن وسلطنة عمان، كما قام بزيارات للمنافذ الحدودية في أوقات الحرب. وفي الساعات الأولى لعاصفة الحزم، كان الأمير جلوي حاضرًا ومباشرًا في الميدان، يراقب ويشرف على كل تفاصيل الوضع الأمني والخدمي في المنطقة.
إحدى السمات البارزة للأمير جلوي هي موقفه الحازم ضد من يحاول استغلال العادات والتقاليد الأصيلة لتحقيق مصالح شخصية. هذه العادات والتقاليد، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من هوية نجران وتراثها، لطالما كانت محل احترام وتقدير. إلا أن الأمير جلوي، بحكمته الفائقة، أدرك تمامًا أن هناك من يحاول استغلال هذه القيم لغايات خاصة، فوقف سدًا منيعًا أمام هذه المحاولات، محافِظًا على نقاء التراث وتقاليد المنطقة.
إلى جانب حرصه على حماية القيم الأصيلة، كان الأمير جلوي دائم المتابعة للمشاريع التنموية في نجران، واضعًا نصب عينيه توفير كافة الفرص التي تلبي احتياجات المنطقة وأهلها. وقد أثمرت جهوده المتواصلة في تحويل مطالب المواطنين إلى مشاريع ملموسة، حيث افتتح العديد منها بنفسه، ليراها تتحقق على أرض الواقع نتيجة لعمله الدؤوب والمتواصل.
وتحت قيادة الأمير جلوي، شهدت نجران سلسلة من المشاريع التنموية التي تسهم في تعزيز جودة الحياة وتلبية احتياجات المجتمع.
ومن بين إنجازاته التاريخية التي ستظل شاهدة على جهوده الكبيرة، كانت وثيقة نجران التي مثّلت نقطة تحول في مواجهة سماسرة الدماء الذين استغلوا طيبة أهالي المنطقة. قبل توقيع الوثيقة، الوثيقة التي سماها (وثيقة نجران في الصلح في الديات) كانت نجران تعاني من ضغوط مالية هائلة على الفقراء والمحتاجين قبل الميسورين ، حيث كان المواطنون يدفعون حياًءً وبما تحثهم العادات والتقاليد ما يقارب مائة مليون ريال بإحدى السنوات. لكن الأمير جلوي، بتصميمه الحازم وقيمه الراسخة، قاد هذه المبادرة الخيرية التي وضعت حدًا لهذا الاستغلال، مجسدًا موقفه القوي ضد من يحاولون الالتفاف على العادات والتقاليد القبلية التي تشجع على البذل والعطاء.
إلى جانب ذلك، كان للأمير جلوي دور كبير في التصدي للفاسدين الذين استغلوا نجران لعقود طويلة. بفضل حزم إدارته، تم القضاء على تلك التجاوزات التي أضرت بالمنطقة ومصالح أهلها. وقوفه الصلب ضد هؤلاء الفاسدين أكسبه احترامًا واسعًا، إذ لم يتردد في ضرب بيد من حديد على كل من يحاول استغلال موارد المنطقة لمصالح شخصية.
لقد نجح الأمير جلوي في تحويل إدارته إلى حصن منيع يحمي منطقة نجران من أي تجاوزات، ويعزز القيم الأصيلة التي تعكس هوية المنطقة وتراثها. كان دوره أكبر من مجرد قيادة إدارية، بل كان دورًا اجتماعيًا وثقافيًا وأمنيا ً يتجلى في حرصه على حماية كل عادات وتقاليد أصيلة وحمايته للتراث وتعزيز روح التضامن بين أبناء نجران.
ختاماً.. الأمير جلوي بن عبد العزيز بن مساعد ليس فقط رمزًا للعدل والنزاهة، بل هو أيضًا قائد ذو رؤية متبصرة وحس عميق بالمسؤولية. قدرته على تحقيق التوازن بين الحفاظ على التراث والتقاليد، وبين إدارة شؤون المنطقة بكفاءة عالية، جعلت منه شخصية محورية في نجران. قائدًا محبوبا ومؤثرا، ستظل بصماته خالدة في مسيرة تطور وازدهار المنطقة.