غادة الوعلان
عندما تُطرز حياتك بجواهر الفكر، وياقوت القيم، وبديع الحروف والمعاني فأنت صناعة سمهريّة، لقد كان من حظوظي في الدنيا أني تتلمذت على يد أستاذتي وملهمتي الدكتورة هيا السمهري في المرحلة الثانوية في سنتيها الآخيرتين درستُ على يديها مواد اللغة العربيّة والآن وبعد عقود من الزمن أجد نفسي في يوم المعلم مدينة بفضل عظيم، وامتنان كبير لا أعرف كيف يمكن أعبر عنه! أو أفيه حقه! وكيف يمكن أن يسطر شعور الامتنان والتقدير والكلمات تتقازم أمام قامة كبيرة ذات فضل وعلم في ميدان التربية والتعليم.
معلمتي عرفتك وأنا على مقعد الدراسة أنهل من علمك وأستقي منك المعرفة والبيان والقيم الرفيعة بالعربية الفصحى، التي رسخت في عقلي وقلبي رسوخ الأشجار الشامخة فما زالت أطروحاتك الأدبية تعود بها ذاكرتي بين الفينة والأخرى، وأنا من كنت أدوّن كل كلمة تذكرينها في حصة الأدب أو البلاغة في دفتري ذي المائتين ورقة، وبين أقسامه النحو والصرف، البلاغة والنقد، والأدب العربي. سجلت المعلومة الأكيدة، والأسلوب الفريد. ما زالت عباراتك لتحليل القصائد وتناول أفكار النصوص الأدبية ومعانيها وأسلوبها وصور أخيلتها وموسيقاها وألفاظها وخلفيتها النفسية والثقافية والاجتماعية يتردد صداها في سمعي.
تعلمت منك كيف يمكن أن نستقرئ الأمور ونبحر في أعماقها لنخرج نفائسها. كانت أطروحات أدبية نقدية احتفظت بها ككنز من كنوز المعرفة والذي أصبحت من أول المراجع العلمية التي أستندت إليها في تحضير دروسي لطالباتي وأنا معلمة اللغة العربية التي تحاول أن تقتفي أثرك، وتتوشح بعلمك، وتحذو حذوك فقد جعلتِ من سجلات تحضيري للدروس مرجعا علميا لزميلاتي. فهنيئا لك هذا الأثر.
معلمتي يحتار قلمي كيف أقول لك إنني وأنا في قطار السنين أجوب مراحل عمري كنتِ دائما ما تلمعين في ذهني في استحضار حسن تصرف في موقف ما، أو لين طبع في تعامل، أو جدية قرار في نظام، أو في تلك الابتسامة التي تخفي وراءها حنوا دافئا يحميك من صقيع الدرس.. لم تكوني بكثيرة حديث وأنا الطالبة الهادئة في مكاني والمغرمة في حياء ولكنك كنت القريبة والمهابة أشعر بالخجل كلما وقعت عيني عليك وأنت تشرحين وسط الفصل وكتاب الأدب يختال فخرا بين يديك.. سنوات قضيتها معك لم أسمع صوتا عاليا، أو أشكو من خشونة تصرف. كنت أختا للجميع تسقينهم من كؤوس الجمال ما يجعلهم يتيهون خيلاء في مناشط المدرسة.. كنتِ المعلمة الأنموذج الأميز ويكفينا فخرا أن نقول نحن طالبات الأستاذة هيّا..
عبرت بي السنون وتدرجت في مسالك الوظيفة وأنا أسمع أسمكِ يتردد في ميادين العلم والتربية. وإذا بالحظوظ تجمعني مرة أخرى في لقاء لإدارة التعليم بالرياض لتلقي مديرة الإشراف بمنطقة الرياض قصيدتها احتفاءً بالمعلم فإذا بقلبي يقفز طربا وفرحا وأنا أستمع لمعلمتي الدكتورة هيّا السمهري وهي تعارض أحمد شوقي وتزيد المعاني ألقا.. احتفظت بالقصيدة وألقيتها مرة لمعلماتي في ثانوية الرياض والتي تقول في مطلعها:
جاء القريض منكباً وأصيلا
نحو المعلم يمنح التبجيلا
حسب المعلم أن يقال بحقه
«كاد المعلم أن يكون رسولا»
بقيت أتابع مقالات الدكتورة وهي تقدم أطروحاتها بقلمها الذهبي على صفحات الجزيرة بأفكار ومقترحات وموضوعات في ميادين الوطن ويبقى مجال التربية والتعليم شغلها الشاغل وميدان فروسيتها في تقديم الأنموذج الأمثل في كيف تكون مدرسة المستقبل بذرة صالحة لاستنبات جيل واعد لوطننا الغالي، مقالات وأنت تقرأها لا يمكن إلا أن تقول هذا قلم الدكتورة هيا بفكره الناصع، وصيده النادر، وأسلوبه المميز، وتدور الأيام وأحظى بهدية ثمينة أن تحل مقالات معلمتي ضيفا عزيزا على شاشة جوالي كل يوم أحد وهي تزين صفحات جريدة الجزيرة أقرأها وأعلق عليها فيأتيني حرف معلمتي داعما ومعززا. يتوجني بتاج الشرف ويجعلني في زهو وحبور..
معلمتي في يوم المعلم ماذا عساي أن أقول لك وأنتِ سيّدة الفكر والحرف إلا أن اقتبس قول الشاعر/ عبدالله الغمري:
كم للوفاء بخاطري من ساحة
للأوفياء مقرها بفؤادي
فإذا نزلت بهم وقد سكنوا بها
وقفوا وليس لكثرة الوفاد
لكنهم وقفوا لمقدم رائد
قد علم الصادين كنه الضاد
أمعلمتي لك من طالبتك تحية
فاقت أريج الزهر بل والكادي
صدق الذي قال إنك شمعة
أخذت تنير الدرب للرواد
معلمتي لكِ خالص شكري وامتناني واعذريني على بساطة قلمي ولكنه شعور صادق..، كل عام وأنتِ الأنموذج الأروع.