اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
مما لا شك فيه أن إيران تبنت استراتيجية مكنتها من إيجاد ودعم مليشيات مسلحة تابعة لها في كل من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وذلك لتنفيذ مشروعها القومي واستخدامها بالوكالة في صراعها مع الكيان الصهيوني تحت اسم محور المقاومة.
وبفضل هذه الاستراتيجية استطاعت إيران أن تتنصل عن تحمل المسؤولية المباشرة عن أي عمل تقوم به هذه المليشيات مع تعزيز نفوذها ودورها في المنطقة دون أن تتورط في صراعات عسكرية مباشرة.
وهذا المحور المزروع في عدد من الدول العربية لا يخفى على العاقل واقعه وما هي دوافعه، حيث تم إيجاده لإثبات الوجود والتوسع خارج الحدود بما يخدم الجهات ذات المشاريع القومية والأهداف الجيوسياسية.
ورفع شعار المقاومة وتبني الدفاع عن القضية الفلسطينية جعل المليشيات المذهبية والطائفية التي يتكون منها المحور تؤدي وظيفتين، تخدم جهات ذات مشاريع قومية لأطراف خارجية، فعلاوة على تنفيذها أوامر الدولة الراعية لها والعمل بالنيابة عنها على حساب مصالح أمتها وأوطانها، فإنها في الوقت نفسه تخلق الذرائع للكيان الصهيوني لارتكاب الفظائع ضد الأمة العربية كما هو الحال في غزة ولبنان.
ومخطئ من يظن أن هذه المليشيات يمكن أن ترسم مساراً أو تحقق انتصاراً، وهي التي جلبت الأعداء إلى أوطانها، وكانت سبباً في تدمير بنيانها ونزوح وتهجير سكانها، وخير شاهد على ذلك ما تعانيه الدول التي تنتمي إليها هذه المليشيات من عدم الاستقرار واختلال الامن وفشل القيادة وفقدان السيادة إلى الحد الذي ترتب عليه غياب مؤسسات الدولة وقيام الحاجة إلى عدل الحاكم وطاعة المحكوم نتيجة لإحلال الطائفية المبغوضة والمذهبية المرفوضة محل الانتماءات الدينية والقومية والوطنية.
وما آلت إليه الأمور في غزة لم يكن مفاجئاً فالطوفان خلق ذريعة للكيان الصهيوني ظاهرها الانتقام من منظمة حماس وتجريدها من أسلحتها، وباطنها قتل البشر وتدمير المقر في غزة توطئة لاحتلالها من جديد وإخضاع أهلها للتهجير القسري والتطهير العرقي.
الذين انطلت عليهم الخدعة اليهودية والدعاية الصهيونية التي اعتاد الكيان الصهيوني من خلالها على التظاهر بالضعف وتضخيم خطر الخصم والنفخ في بالونة كان عليهم أن يفهموا أن هدف إسرائيل من ذلك كسب تعاطف الرأي العام الخارجي من جهة، وتبرير ارتكاب الفظائع والإبادة الجماعية وتدمير البنى التحتية وممارسات التهجير والتطهير من جهة أخرى.
واغتيال قائد المنظمة في طهران فتح الكثير من الآفاق وكشف المستور من الأوراق، وصار بالإمكان الحكم على المغدور من فعل الغادر، كما أن الخلف تحوم حوله الشبهات ويدور في فلك المؤامرات ومستقبله يحمل الكثير من المفاجآت.
ومهما حصل من بعض القيادات الفلسطينية التي تدار من جهات خارجية ذات مشاريع قومية وأهداف جيوسياسية فإن الشعب الفلسطيني الأصيل صاحب الكفاح الطويل مصمم على الدفاع عن حقوقه المشروعة وقضيته العادلة بدعم من الدول العربية ذات النزعة القومية والوطنية دون أن يتأثر هذا الشعب المناضل بممارسات أولئك الذين اتبعوا خطوات الشيطان وارتد عليهم الطوفان.
وحركة حماس هي عضو المحور المسنود وحزب الله هو العضو المساند والأول نجم عن طوفانه إبادة بشرية ومأساة إنسانية وتدمير للبنى التحتية في غزة علاوة على تدمير وتعطيل مرافق الحياة ومقومات الوجود البشري، وما أدى إليه ذلك من عمليات النزوح والتهجير، والثاني ترتب على هذيانه اطلاق لسانه بالتهديد والوعيد ورشقاته السائبة ومقذوفاته الطائشة غزو لبنان من قبل الكيان الصهيوني ووضعه على حافة الهاوية.
ومساندة حزب الله المزعومة لحماس في غزة أوجدت الذريعة للكيان الصهيوني للقيام بشن الحرب على لبنان بهدف تقليم أظافر الحزب وتحجيم دوره عن طريق اغتيال قادته وتدمير أسلحته، حيث تم اغتيال أمينه العام وقادته من الصف الأول والثاني في حملة اغتيالات غير مسبوقة على المستويين السياسي والعسكري.
ولم يكتفِ الكيان الصهيوني في مواجهته مع حزب الله بتفجير أجهزة الاتصال وعمليات الاغتيال واطلاق الصواريخ والمسيرات والمقذوفات، بل بالغ في استخدام قواته الجوية واجتاح الجنوب اللبناني بقواته البرية عاقدا ً العزم على تغيير معادلة التوازن القائمة وبناء معادلة جديدة ذات معايير استراتيجية وأمنية تخدم الدولة العبرية.
وهذا الحزب الذي يسعى لإضعاف الدولة حتى يتسيد الموقف يمر الآن بأسوأ حالاته حيث فقد قادته وأسلحته وتخلى عنه سيده، ولم يجد من أعضاء محوره من يسانده وأصبح منبوذا عند الشعب اللبناني الذي يتطلع إلى زواله بسبب مذهبيته وانحرافه، والدولة اللبنانية التي اختطفها تتمنى التحرر من اختطافه.
وقد حان الوقت للدولة اللبنانية لاستعادة سلطتها وانتخاب رئيس لها وتفعيل دور قواتها المسلحة، والقيام بالإصلاح السياسي والاقتصادي والتحكم في مسار الطائفية المفروضة والابتعاد عن المذهبية المرفوضة، الأمر الذي يتطلب من الثنائي الشيعي الاندماج داخل الدولة في تكتل سياسي شأنه شأن الطوائف الأخرى مع العمل بالقرار 1701 والقرار 1559 وعودة الدولة إلى عمقها العربي وانتمائها القومي ونبذ سياسة المحاور والمشاريع الخارجية.
ويتعين على الدولة اللبنانية التحلي بالحكمة السياسية والتحرك بجدية على مختلف الأصعدة لردع العدوان، كما يتحتم على الشعب اللبناني الصمود الداخلي والتماسك المجتمعي والتضامن الوطني للحد من اضرار العدوان وتفويت الفرصة على الدولة العبرية وكبح جماح عدوانها.
ومطلوب من الدول العربية الفاعلة في هذه الظروف الحرجة مساعدة لبنان بكل ما تستطيعه سياسيا واقتصاديا وأمنيا حتى يتجاوز أزمته وتعود إليه عافيته ويستعيد سيادته المصادرة لصالح جهة خارجية، مع التخلص من هيمنة الحزب الذي تهاوت أعمدته وانهارت سلطته وفقد شعبيته.