ليلى أمين السيف
كانت ابنتي الكبرى تعتقد أن البنات تُنسب لأمهاتهن والأولاد يُدعون لآبائهم فكانت ترد على أي شخص يسألها عن إسمها «إسمي مرام ليلى أمين».
وقبل يومين حدث شيء ما فقلت لها: «هل ما زلت مرام ليلى؟» فأجابت: «الله يستر شكل القيامة بتقوم!!» وبصوت ينذر بالشرر قلت لها: «جاوبي» قالت: «خلاص لا تشيلي هم بأرتب غرفتي».
تذكرت لما كنت صغيرة، يوم رجعت من بيت الجيران وبيدي علبة ألوان لبنت الجيران. سألني أبوي بحزم: «استأذنتِ منها؟» ولما قلت لا، طلب مني أرجعها وأعتذر. لكن اللطيف في الموضوع، إنه طلب من أمي أن تتصل بالجيران تطلب منهم يعطوني علبة الألوان هدية بدون ما يقولوا لي إنه ذاك كان طلبه هو. كنت أحب الأقلام بجنون، وما كنت أعرف أي شيطان كان يدفعني للاستحواذ على كل قلم أشوفه..
كافحت كثيراً وتضرعت إلى الله أن يكفيني شر هذا التولع وأذكر أنني دعوت الله أن يعينني لأنني أريد ان أدخل الجنة بدون عقاب أبداً وقاومت كثيراً كي ألجم نفسي الأمارة بالسوء.
وقتها كانت حرب طاحنة تدور في عقلي.»لابأس إنه قلم» «إنه لايكلف شيئاً» وأتذكر أبي وهو يقول لي إن كنتي تستخدمي منديلاً واحداً في بيتك لتنشفي يديك فلا تسرفي حين تكوني في مكان آخر وتذكري إن المال السائب لا يسرقه إلا من لا يخشى الله فالنفوس العفيفة لا تغريها أية مغريات وكوني حريصة على المال العام حرصك على مالك الخاص. يا إبنتي تذكري قوله - صلى الله عليه وسلم-: «وإنْ قضيبٌ من أراكٍ» فلا تكذبي في عملك أو تتنصلي عن مسؤلياتك أو «توكلي أحداً غيرك ليوقع عنك كذباً» فوالله إنك محاسبة. وكان يتعهدني دوماً ويتفقدني ويسألني عن يومي وتفاصيلي ويرشدني ويلهمني سبل الصواب حتى استحيت منه وعاهدت نفسي على أن أجعله يعيش أبد الدهر مرفوع الهامة فخوراً بي.
كان رحمه الله يوصيني حتى بعدم استخدام هاتف العمل إلا للعمل أو للضرورة وأننا محاسبون أمام الله وقال لي غفر الله له وعفا عنه وعن أمواتنا جميعاً: «ضعي نفسك دوماً مكان المالك وأنا أعلم أنك شخص ذو بأس وهمة وإن كنت تريدين الجنة، فستبذلين لها كل جهدك.
«ومن وقتها وأنا أستغفر الله لما فعلت وأسعى على أن أجاهد نفسي ما استطعت. صحيح إنني كنت طفلة ولكن ما حدث من تأنيب لنفسي ونضالي في كل مرة تساورني فيها المغريات حيث كنت أحاول أن أحيد بصري عنها، وإن أخذت قلماً ما فإنني أعيده اليوم التالي. والحمد لله إنها جت على أقلام ملونة وليس شيئاً آخر وهذه من ألطاف الله وجميل أقداره.
يا ليت الزمن يرجع معي يوم كنت صغيرة
الأحلام محدودة والأيام تقزيرة
مآ كنت اتضايق ضيقة اللي غدى له طيرة
بجوٍ خلا موحش ولا حولهم ديرة
** **
- كاتبة يمنية مقيمة في السويد