بدر الروقي
لمحةٌ تربويةٌ لم تتجاوزْ فصلاً دراسيًا واحداً، وإنَّما أثَرُها وتأثيرها ما زال في حياتي فصولاً من التحفيز، ومناهجًا من التَّشجيع.
وفي كلِّ مرَّةٍ أُمرِّرُ قلمي على وجه الورق كاتبًا، أو أدفعُ قدمي نحو المنبر خطيبًا أتذكَّرُ تلك اللَّمحة والنبرة التربوية في آخر أيَّام المرحلة الابتدائية، وكأنَّ صداها يُردِّدُ في مسمعي جملةَ معلم مادة التعبير -آنَذاك - عندما قال وهو يرى محاولاتي في ممارسة الكتابة، وجرأتي في التَّحدث أمام زملائي: «ستصبحُ خطيبًا بارعًا، وكاتبًا حاذقًا».
ولأنَّ الأثر كما قالت العرب: «يَبقى ولا يُلقى».
فقد علقتْ جملتهُ في ذهني، واستقرَّت في نفسي، ومن تلك اللحظة وأثَرها نديمًا يُلْهِبُ داخلي فتيل الإبداع، ويذكي روح المهارة؛ فوصلتُ بفضل الله إلى ما تنبَّأ وانتظر ذلك المربي الفاضل، فجزاهُ الله عنِّي خير الجزاء، وأبعد عن قلبه الحزن والشقاء.
بمثل هذه الكلمات المحفزة، والرفق في المعاملة تسمو رسالة التعليم، وتتحقق أهدافه ويكون أثره وتأثيره.
سار على ذلك ودأب عليه الخلفاء والأمراء مع مؤدِّبي أبنائهم..
فهذه وصية مسلمة بن عبدالملك بن مروان لمؤدب ابنه كما جاء بها ابن أبي الدنيا في كتاب (العيال):
«... كن لهم سائساً شفيقًا، ومؤدبًا رفيقًا، تكسبك الشفقةُ منهم المحبةَ، والرفق حُسن القبول، ومحمودَ المغبَّة، ويمنحك ما أدى من أثرك عليهم وحسن تأديبك لهم مني جميل الرأي، وفاضل الإحسان، ولطيف العناية».
وبما أنَّ المناسبةَ هي-اليوم العالمي للمعلم- كان من المناسبِ ذكر ما تيسَّرَ من سير ومآثر أولئك النُّجباء الذين أثروا بتجاربهم ميادين التعليم، وأناروا بفكرهم عقول الأجيال.
لعلنا اليوم كمعلمين نمارسُ هذه المهنة العظيمة نقتفي أثرهم ونستقي من معين جلالهم، ونقتبسُ جذوة من إلهامهم؛ تجعلنا نترك لنا بصمة لا تتلف، وأثراً لا يفنى.
بارقة:
يفنى العباد ولا تفنى صنائعهم
فاخترْ لنفسك ما يحلو به الأثرُ