سطام بن عبدالله آل سعد
تشهد الرياضة السعودية، وخاصة كرة القدم، استقطابات كبيرة، مما يكشف الحاجة الملحة إلى استراتيجيات طويلة الأمد تعتمد على التنمية المستدامة بدلاً من الحلول الطارئة، فالاعتماد المفرط على اللاعبين والمدربين الأجانب لتحقيق النجاحات السريعة يضع كرة القدم الوطنية في مأزق ويعوق بناء قاعدة رياضية متينة.
إنّ ما نراه في الأندية والمنتخب الوطني يعكس برامج طوارئ مؤقتة بدلاً من استراتيجيات مدروسة. فالفوز التاريخي على الأرجنتين في كأس العالم 2022 قد يبدو من الوهلة الأولى دليلاً على نجاح التنمية الكروية المستدامة، لكنّه في الواقع كان نتيجة لخطة طارئة لم تُبنَ عليها منظومة رياضية متكاملة قادرة على الصمود. هذا الضعف في التخطيط ظهر جلياً في عدم التأهل لدور الستة عشر منذ كأس العالم 94.
النتائج المخيبة للآمال، كالهزيمة أمام اليابان والأردن، والتعادل السلبي مع البحرين، كشفت هشاشة التخطيط الإداري والفني للمنتخب السعودي. فغياب الخطط طويلة المدى أظهرت الفارق بين التنمية المستدامة والتطوير السريع الذي يركز على تحسينات مؤقتة دون الاهتمام بالبناء المستقبلي.
التطوير الرياضي، شبيه بحالة الطوارئ، فهو يركز على الجوانب التقنية والتكتيكية لإنقاذ إخفاق معين وبسرعة، بينما التنمية الرياضية المستدامة تتطلب استراتيجية شاملة للبنية التحتية الرياضية بجميع أدواتها. فانعدام هذا النموذج عن الكرة السعودية تجلّى بوضوح في الأداء الهزيل للمنتخب رغم الدعم المالي الكبير. كما أن النقص الشديد للمدربين السعوديين المحترفين والجيل الجديد من اللاعبين الموهوبين يعكس ضعف التخطيط والافتقار إلى رؤية تنموية بعيدة المدى تستهدف تمثيل الكرة السعودية على الساحة العالمية وفق رؤية 2030.
الحل الاستراتيجي.. إنشاء «المركز الوطني للاستدامة الرياضية»
حل المشكلة الجذرية التي تواجه كرة القدم السعودية والمتمثلة في غياب التخطيط المستدام، يكمن في إنشاء مركز وطني موحد يعرف بـ»المركز الوطني للاستدامة الرياضية»، والذي يهدف إلى ربط جميع الأكاديميات الرياضية، سواء الخاصة أو التابعة للأندية السعودية، عبر منصة رقمية موحدة.
وتتلخص فكرة هذا المركز في النقاط التالية:
1. منصة تحليل الأداء المتكاملة: يجب أن يتضمن المركز منصة رقمية متكاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل جميع جوانب الأداء الرياضي للاعبين والمدربين وكذلك أداء الأكاديميات.
2. خطة تنمية ترتكز على البيانات: عمل برامج تدريب متخصصة لكل لاعب ومدرب بناءً على تحليل بياناتهم الشخصية والفنية، مما يُمَكِنْ الخبراء والمستشارين من تقديم خطط تدريبية تنموية تتناسب مع نقاط القوة والضعف، بدلاً من استخدام خطط عامة غير مخصصة.
3. التعاون مع الجامعات ومراكز البحث: لإجراء أبحاث رياضية متخصصة حول التنمية البدنية والنفسية للاعبين. هذا يساعد في تقديم ابتكارات جديدة في أساليب التدريب واللياقة البدنية، ويعزز من قاعدة المعلومات العلمية التي تدعم اللاعبين والمدربين بشكل منهجي.
4. معايير لقياس الاستدامة في الأداء: وضع معايير واضحة لقياس الاستدامة في الأداء الرياضي لكل لاعب ومدرب على مدار السنوات. الهدف هو تقديم تقارير منتظمة حول كل فرد، وبالتالي اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن مستقبله الرياضي.
5. برنامج تعليمي للإدارة الرياضية: حيث يتم التركيز على تنمية المهارات القيادية والإدارية للعاملين في المجال الرياضي.
6. الاستفادة من الطب الرياضي والتغذية: إدخال برامج متخصصة في الطب الرياضي والتغذية ضمن استراتيجيات المركز، لضمان أن اللاعبين لا يتلقون تدريبًا رياضيًا فقط، بل أيضًا تدريبًا على نمط حياة صحي يساهم في إطالة مسيرتهم الرياضية وتحسين أدائهم.
إن فكرة إنشاء المركز الوطني للاستدامة الرياضية يمثل خطوة حاسمة نحو نظام ديناميكي واستراتيجي متكامل يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والتقييمات الدقيقة لاكتشاف اللاعبين والمدربين وتنميتهم، وكذلك الإداريين لقيادة الأندية والمنتخبات نحو النجاح المستدام.
لكن الأسئلة التي تطرح نفسها: هل وزارة الرياضة واتحاد الكرة قادران على تبني هذا النوع من الاستراتيجيات والتنمية المستدامة، أم سنظل رهائن للحلول الطارئة والنتائج المؤقتة؟ هل سنتأهل لكأس العالم 2026 و2030؟ وهل سنحقق كأس آسيا 2027؟