د. فودة محمد علي
المرأة عاطفة قوية متأججة تديرها عاطفتها وتوجهها مشاعرها.. وهي سهلة التأثر قريبة الرجوع.. وقول النبي عن المرأة .. «تكثرن الهجر وتكفرن العشير» قد يراه البعض قدحًا من النبي لهن.. ولكنه ذم يراد به المدح، فهي سريعة التقلب، تأسرها الكلمة، ويملكها الإحسان، وتهيجها الإساءة، ويحزنها النكران، ويغضبها التجاهل، لكن ما أن تسترضى ويعتذر لها حتى تجدها قد عفت وسامحت، وكأن شيئًا لم يكن..
وقوة المرأة العاطفية خاصية تفردت بها المرأة لتكمل نقص الرجل الباحث عن العاطفة والحنو، فالرجل سيظل أسيرًا لسيدة تحنو عليه، وتهدأ روعه، وتذهب قلقه، وتساعده في أن ينفض همه، وتقوي عزمه، هذه السيدة ربته صغيرًا فكانت أمه، ثم جاءت أخرى فتعاهدته كبيرًا فصارت زوجته..
ويجب على الرجال أن يتفهمن هذه النفسية التي تحكمها عاطفتها وتسيطر عليها مشاعرها فيتلطفون في معاملتها ويحسنون اختيار الكلمات التي تهدئ من ثورتها، بل يبادرون إلى كلمات الغزل الرقيقة التي تصف محاسنها، وتعلي من جميل صفاتها، وعندما تثور المرأة أو تزمجر فيقابلون ذلك بحلم لطيف، وقول جميل، وابتسامة حانية فما هي إلا هنيهات وتنقشع سحابة الصيف فيأتي خيرها ويهدأ ثائرتها فتراها باكية معتذرة، من أجل هذا وبرحمة من الله وفضل جعل القوامة وكلمة الطلاق مرهونة بيد الرجل، الذي يكون له القدرة على السيطرة على نفسه مستخدمًا طبيعته النفسية العاقلة، لذلك لا عجب أن نرى الشرع الحكيم يسلب الرجل نفسه هذا الحق، إن اتصف بما اتصفت به المرأة من عدم القدرة على التحكم في العواطف والمشاعر، فلا يقع الطلاق في الغضب الشديد «لا طلاق في إغلاق» ولا طلاق في إكراه..
وكثير من الآباء والأخوة يجهلون هذه الحقيقة، عندما تأتيهم ابنتهم وهي في موجة مستعرة، في حالة استنفار وهياج عاطفي، فإذا بالأب ومن حوله أبناؤه يكشرون عن أنيابهم ويزأرون زئير الأسد، متوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور، ويعلنونها حربًا ضروسًا للثأر لهذه الغاضبة الحانقة.. فمنهم يسارع إلى محام بارع.. ومنهم من يجمع الرجال والعتاد.. ومنهم من يصيح ويزمجر.. ويقوي من عزيمتهم دمعات تسيل على خدي ابنتهم المظلومة ..وما هي إلا أيام قلائل حتى تكون البنت أمام المحكمة.. وهي متعجبة كيف وصلت الأمور لهذا الحد؟!!... إن أقصى ما كانت ترجوه أن يأتي الزوج الحبيب معتذرا.. أو واصلا..
ثم يتحقق للأب والأخوة النصر العظيم فتجد المسكينة نفسها وقد طلقت.. وهدأت النار، وفجأة تجد نفسها في عزلة مريرة تشتاق أبناءها وتبكي على حالها.. وقد انشغل الكل عنها بعد أن انتصروا لأنفسهم - للأسف - وليس لها..!!
ولو تمهل الأب والأخوة وجاء الزوج معتذرا لرأوا عجبًا، فسوف يجدون بمجرد مجيء الزوج قد هدأت ابنتهم واستنار وجهها واختفت النار المتقدة في وجهها، وانقشعت سحائب الصيف المتلبدة التي أخفت مدى حنين هذه الزوجة لزوجها .
رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم رجع من أحد.. واستقبلته النساء وبينهم السيدة حمنة بنت جحش رضي الله عنها التي نعوا إليها أباها، فحمدت الله واسترجعت ونعوا إليها أخاها فحمدت الله واسترجعت ونعوا إليها عمها فحمدت الله واسترجعت.. فلما نعوا إليها زوجها صاحت وصرخت وولولت..!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة من المرأة بمكان!!
ولا عجب أن نرى الإسلام يجيز للمرأة أن تحتد على أبيها أو أخيها أو أدنى أقاربها ثلاثة أيام فقط.. لكنه يجيز لها أن تحتد لموت زوجها أربعة أشهر وعشرا.. وكل هذا إدراكًا لمكانة الزوج لدى زوجته.. وكيف لا، والله هو الذي تولى رباطهما، ووضع المودة والرحمة بينهما، فصارت تستتر بزوجها من أبيها!!
لو أدرك الآباء حقيقة عاطفة المرأة وفهموا مرادها، وتفهموا ثورتها لرحموها ورحموا زوجها.. ولجنبوها وأسرتها (زوجها وأبناءها) الوقوف في ساحات القضاء.. ومواقف الخصام والعداء..
أكاد أجزم أن أكثر من 90 % من حالات التنازع الأسري أمام القضاء تؤججها حمية الجاهلية، وعصبية قبلية، ولو حكموا العقل والمنطق، لو تركوا للصلح موضعًا، ولو بعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها في نيتهما الإصلاح صلح حال الأسرة.. ولعمها السكينة والوئام ..
يا أيها الأب.. ويا أيها الأخ.. إن جاءتكم ابنتكم وهي في حالة ثورة عاطفية.. وغضبة شعورية فلا تزأروا زئير الأسود.. أو تزمجروا زمجرة العواصف.. ولكن كونوا لها كالطبيب المداوي والترياق الشافي، فآخر الدواء الكي.. والطبيب الحاذق هو الذي يشفي نفس مريضه قبل أن يداوي جراحه..!!
فأفسحوا لها من قلوبكم ومشاعركم.. ولطفوا نفسها وشعورها، واعتبوا عتاب المحب على زوجها، وأعيدوا بناء الأسرة، وحلوا مشكلها وأصلحوا أمرها.. فلقد سمع الله شكوى زوجة تشكو زوجها من فوق سبع سماوات، فنزل الوحي، وجاء جبريل، ليجمع بين زوجة وزوجها.
** **
أستاذ الإعلام - جامعة الملك فيصل