عبده الأسمري
ما بين «أصول» المسرح و»فصول» الفرح وزع تباشير «الفن» بروح سخية واستمر يهدي بشائر» التعلم» بنفس نقية حتى فتح «بوابات» الأولوية ليجمع ما بين الأدب والتمثيل ويوائم ما بين اللغة والتعبير في سيرة تجللت بالتبكير وتكللت بالابتكار.
رسم خرائط الدهشة على «صفحات» الأداء في أدوار كتب بها جملته الأسمية من مبتدأ «اليقين» وخبر «التمكين» كان فيها «الفنان» المبدع في دلائل «الدور» و»الإنسان» الحاضر في رسائل «الشعور».
تمكن من تسخير «المهارة» في حصد «الجدارة» التي نال بها «الذكر» الفريد في حكايات «الطيبين «بعد أن حول «الشاشة» إلى منبع لا ينضب من «البشاشة» التي ارتبطت باسمه وترابطت مع صيته المشفوع بحسن السيرة والمدفوع بجمال المسيرة.
إنه الممثل والمسرحي والكاتب الدكتور بكر الشدي رحمه الله أحد أبرز الفنانين وأول فنان يحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب المسرحي بوجه تسكنه ملامح «الرضا» ومطامح» العلا» وسحنة «حنطية» وتقاسيم وطنية باهية الحضور زاهية التواجد وعينان تسطعان من خلف «نظارة طبية» لا تفارقه تشكلت كالمجهر الذي عكس وميض الظهور أمام رصد الجمهور.. وأناقة تعتمر الزي الوطني والكاركتر «المهني في واجبات المهنة ومستوجبات الحرفة ولغة خليطة ما بين «لهجة نجدية» و»لكنة شرقاوية» بحكم «النشأة واحتكام التنشئة وعبارات مزيجة ما بين «الفن» و«التخصص» ممزوجة من الأدب والتهذيب وكاريزما متقدة بالسمت وطيب القول وجميل اللفظ وأناقة التعامل ولباقة التواصل، قضى الشدي من عمره عقودا وهو يلاحق بعد نظره لاقتطاف «ثمار» الدراسة وتوظيف «استثمار» الاحترافية وتسخير «موهبة» التمثيل وتكريس «مهمة» الكتابة أستاذاً ومسرحياً وممثلاً وكاتباً للنص وفناناً سخر «المهارات» الذاتية في حصد «المعارف» المتنوعة حتى نال «الدرجات العليا» بتفوق وأسس «البدايات الفريدة» بتميز ليترك اسمه في «قوائم» البارزين و»مقامات» «البارعين».
في مدينة «بقيق» الدرة المكنونة على الساحل الشرقي إحدى مدن «النفط» الحديث ولد عام 1959 وسط أسرة تجللت برداء المعرفة وتفتحت عيناه طفلاً على «تشكلات» العمل الصناعي و»تشكيلات» النبل الإنساني عندما كان يراقب جموع «الموظفين» وهم يتجهون إلى مقار «الشركات» فتسربت إلى أعماقه «الصور الذهنية» المثلى لأهمية الانضباط وهمة الالتزام، والتي بنى بهما «صرح» طفولته في تجاذب ما بين «التساؤلات «العفوية و»الإجابات» الحتمية التي وجدها كعناوين بارزة في وجوه «العابرين» على عتبات «الرزق» والقادمين على «أجنحة» الهمم والذين بدأوا بناء «التنمية» من لبنات «البترول».
تعتقت روحه برياحين «الصباح» في الساحل الشرقي المشفوع بعمق التاريخ والمسجوع بأفق الجغرافيا، فتكونت في داخلة «كيميائية» تجسيد المشاهد التي قرأها على صفحات البيئة واستقرأها في سحن البسطاء وجسدها في «مشاهد» طفولية أولى على مرأى والديه وأقاربه والتي حرص على أدائها كبروفات مسائية كانت بمثابة مفاتيح «النبوغ» المبكرة التي فتح بها «بوابات» المستقبل.
صال وجال مع أقرانه وأنصت صغيراً لنقاشات اللغة الإنجليزية بين «المهندسين» والخبراء في الشركات، فظل يملأ بها ذاكرته «الغضة» واستمر يلتقط من «أحاديث» السائرين والماكثين مقتطفات «التراجم» والتي أسهمت في تحويل قبلة «أحلامه» شطر اللغة الإنجليزية التي أحبها وبرع في فنونها وآدابها.
انجذب صغيراً إلى المسرحيات المترجمة والأفلام العربية الاحترافية التي حرص على مشاهدتها في «تلفاز» أسرته العتيق والتي لامست «طيف» أحلامه المبكرة وظل يحاكي بها «شغف» آماله الباكرة بحس الهاوي وإحساس الشغوف.
حظى الشدي برعاية وعناية أسرية من أسرته المشهورة بالعلوم والشهيرة بالمعرفة وانطلق راشداً في ميادين التعلم حتى أنهى تعليمه العام بنجاح ثم التحق بالتعليم الجامعي حيث تخرج من قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، ولأنه مسكون بالعلا فقد أكمل دراساته العليا حيث أبهر الغرب في عقر دارهم وتفوق على أقرانه باقتدار مكنه من نيل درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأمريكية ثم انتقل إلى موقع آخر ملاحقاً وميض أحلامه الكبيرة حيث حصل على الدكتوراه في الأدب المسرحي بدرجة امتياز من جامعة درم البريطانية.
أحب المسرح منذ أن كان طالباً جامعياً ومضى يوزع اهداءات الموهبة عبر ردهات جامعته العريقة المشجعة للموهوبين حيث برز في هذا المجال خلال فترة السبعينيات عبر مسرح الجامعة وبدأ يرسم أول «خرائط» التميز ويؤصل أعمق «وسائط» الامتياز ونفذ عدد من المسرحيات مع الجيل الذهبي حينها ولمع اسمه في قطاع «الفن المسرحي» ثم مد جسور «العطاء» مع التلفزيون وأستمر ينسج «خيوط» الانفراد في رداء فضفاض من الموهبة قرر أن يكون على مساحة أكبر حيث قام بأعمال فريدة مع عمالقة الشاشات وممثلي وممثلات العالم العربي من الأسماء البارزة حيث اشترك في بداياته مع فاتن حمامة وأحمد مظهر في الفيلم الشهير (إمبراطورية ميم) في مصر ثم وزع عبير مهاراته في الخليج وعمل مع حياة الفهد ومريم الغضبان وخالد النفيسي في المسلسل الشهير (عائلة على تنور ساخن) ولعب دور بطولة إلى جانب الفنان عبد الحسين عبدالرضا في مسلسل (الملقوف) الكويتي.
وشارك في المسلسل الكويتي «إليكم مع التحية» مع خالد النفيسي وحياة الفهد والممثلة المصرية خيرية أحمد. ومع الفنان الكبير محمد صبحي في مسرحية (هاملت) والتي تم توقف تصويرها ثم انتقل إلى محيط أخرى من الابداع عندما شارك الفنان فريد شوقي في مسلسله الشهير (البخيل وأنا).
تكتظ الوطنية المشرقة بأعماله المختلفة والمنوعة حيث قدم الشدي البرنامج التلفزيوني السعودي الشهير «من كل بستان زهرة» مع ناصر القصبي وعبدالله السدحان وصالح الزير، ومسرحية «تحت الكراسي»، السعودية بمشاركة محمد العلي وعبدالله السدحان وناصر القصبي وشارك في مسلسلات مختلفة ومن بينها مسلسل العولمة الذي لا يزال حاضراً وناضراً بذوقه الخاص وذائقته المميزة في ذاكرة المشاهدين وقد أدى وقدم عشرات البرامج والأدوار المختلفة في أعمال محلية وخليجية متعددة كان فيها وجهاً أصيلاً للإبداع وركنا ثابتاً للإمتاع اللذين ارتبطا بشواهد «التعبير» ومشاهد «التقدير» التي ملأت قلوب جماهيره ومعجبيه.
بعد معاناة مع المرض انتقل الشدي إلى رحمة الله عام 2003 وتمت الصلاة عليه في الرياض، ووري جثمانه مقبرة «النسيم» وقد نعاه رفقاء دربه وزملاء مهنته وأصدقاء مرحلته وكتبت عنه وسائل الإعلام ومنصات المجتمع في أخبار وتقارير اقترنت بسمو أخلاقه ورقي أدائه وتميز سيرته ونقاء سريرته.
تم تكريمه بإطلاق اسمه على أحد المسارح بمنطقة البوليفارد سيتي بمدينة الرياض تتويجاً لمسيرته ومنجزاته.
بكر الشدي -رحمه الله- رمز المسرح ووجه الفرح صاحب الروح الجميلة والابتسامة المستديمة والإطلالة المشرقة والاسم الساطع في صفحات الاقتدار المهني والرقم الصعب في معادلات الاعتبار الفني.