عبدالله إبراهيم الكعيد
كنت سأكتب مفردة كمائن (جمع كمين) بدلاً من مكائن في العنوان أعلاه ووجدت انهما يؤديان ذات الغرض الذي أعنيه؛ فللقولبة مكائن كما أنها كمائن يقع فيها من يُقولب الناس أو الجهات أو حتى الأفكار.
في مجال الصناعة يتم تشكيل أبعاد هندسية من معدن أو بلاستيك تصب فيها المادة التي تكوّن المنتجات باختلاف استخداماتها ثم يخرج الشكل النهائي لها. حال القولبة يختلف في المجال الاجتماعي، فعلى سبيل المثال يسمع أحدهم عن فلان من الناس وخصوصا أحد الشخصيات الاجتماعية المشهورة أو الإعلامية أو حتى الرسمية بأنه يتصف بسلوك أو مظهر أو تفكير يخالف ما تعارف عليه المجتمع من مفاهيم أو عادات أو أساليب عمل، ويبدأ بالتشنيع عليه وتأليب العامّة حتى تتكرس صورة سلبية في أذهانهم عنه فيضعونه داخل ذلك القالب، وبالتالي يشنّون حربا مجتمعية ظالمة ضده.
أو يُصوّر أحدهم تجربته البائسة مع إحدى الدوائر الحكومية أو خّذلان توقعاته من أحد المنتجات الاستهلاكية أو شركات الطيران ويعممها بعد أن يُضيف عليها الكثير من البهارات و(الأكشن) ويحكيها للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويستمر في ترديدها وتحذير الناس منها فيتم قبولها على أنها حقائق ثابته فترتسم في الأذهان كصورة مقولبه يصعب إزالتها.
في السياسة كل شيء قابل للتطويع والاستخدام. والقولبة أحد أساليب شيطنة الدول وأسرها في قفص القالب الذي تم حشرها فيه. دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا يروق لها سياسة دولة كفنزويلا على سبيل المثال لا الحصر فيتم تشغيل الآلة الإعلامية الأمريكية الضخمة التي تبدأ في ضخ الصفات الشريرة (غير الحقيقية) لقادة ومؤسسات دولة فنزويلا، ويتم استخدام مفردات معينة تشحن الشعب الأمريكي الذي لا يعرف عن العالم أبعد من حدود الولاية التي يقطنها أو ربما المدينة. يُصدّق الشعب ما تقوله وسائل الاعلام الأمريكية فيناصبون بدورهم العداء لكل ما يمت لفنزويلا دولة وشعبا.
القولبة حيال الأديان المختلفة لمن يُسيطر على المنابر الأكثر تأثيرا. يقوم الخطباء بضخ صور عن دين مخالف ويوردون حكايات مُؤلفة تُنفّر الناس عمّن يعتنق تلك الديانة، بل قد يصل الأمر الى التحريض على معاملتهم بالعنف أو الإقصاء في أحسن الأحوال.
الأمثلة كثيرة في الوقت الذي تعمل فيه مكائن القولبة ليل نهار تُنتج الكثير من الصور التي تنغرس في أذهان العامّة رغم أنهم رضعوا مع حليب أمهاتهم مقولة (التجربة خير برهان).