عبدالعزيز صالح الصالح
تُعدُّ الدَّواوين الأدبيَّة واحدة من أهم مجالات الازدهار الأدبيِّ التي تثري الفكر والثَّقافة إذ تتكون بها أعداد أدبيَّة متنوِّعة وتتفتح بها أفكار جديدة سريعا ما تتطور وتفسح الطريق لظهور أدباء جدد يثرون الفكر بما يقدمونه من أدب متعدِّد وفن؛ فهي تعتبر مناخا أدبيا خصبا؛ فالبعض من النَّاس يظن أن هذه الدَّواوين الأدبيَّة تقليد غربي .. أخذه الشرق عن الغرب فالواجب على كل أديب ومفكر وباحث وكاتب أن يُصحِّح هذه المقولة فإن الدَّواوين الأدبيَّة تعتبر شرقيَّة منذ زمن طويل، فأول ديوان ظهر على السَّاحة في القرن الأوَّل الهجري - كان ديوان السَّيِّدة آمنة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد لُقِّبتْ «بسكينة» وذلك لأن نفوس أهلها وأسرتها كانت تسكن إليها لفرط مرحها وحيويتها حتى قال فيها والدها الحسين رضي الله عنه:
لعمري إنني لأحب داراً
تكون سكينة والرباب
أحبها وأبذل كل مالي
وليس لعاتب عندي عتاب
وإذا كان الغرب يباهي ويفاخر بندوات نسائه العلميَّة وصالوناته في القرن الثامن فإن ندوات السَّيِّدة سكينة سبقتها بكثير وكثير وهي أوَّل من بدأتها ثمَّ تبعها بعد ذلك غيرها من نساء قريش.. وامتازت هذه الدّوانية الخاصًّة بسكينة بالأدب الرفيع والعلم الغزير والشِّعر الرفيع فكم اجتمع ببابها الشَّعراء يطلبون الأذن منها لينشدوها اشعارهم حتى أن الفرزدق وجريراً وجميلاً في موسم الحج اتفقوا جميعاً على الذَّهاب إلى مجلس السَّيِّدة سكينة يحتكمون إليها في أعمالهم، فقد ظلت السَّيِّدة سكينة تتألق في المدينة المنوَّرة سنوات طويلة حتى فاضت روحها سنة 117هـ الموافق 697 م لابُدَّ من أن نستعد حتَّى نقترب ونتحدث عن تاريخ دواوين الفكر في هذا العصر.
إنَّها أمور ليست عودة إلى الزَّمن الماضي بقدر ما هي محاولة استكشاف للعصر الحاضر الثقافي سألقي الضوء على صورة عامَّة في الوطن العربيِّ عما كانت عليه الحياة في أعقاب الحرب العالميًّة الثَّانية - فهناك حركة أدبيَّة وثقافيَّة متطورة تنتقل بالألوان والاتجاهات الأدبيَّة إلى أشكال جديدة تتمثَّل في القصَّة القصيرة.. والرواية الطويلة.. والتراجم.. والواقعية حيث تأخذ مكانة رومانتيكية سائدة وموجة للشِّعر الحر الَّذي يرتفع تارة ويتراجع أمام التيار الأدبيِّ الاجتماعيِّ والالتزام بالجانب الفنيِّ والفكريِّ، ويظهر جيل آخر من الشَّعراء يناض شعراء القوافي وجماعات من النّقاد والمنظرين، وذلك من أجل وضع قواعد ومقاييس عصرية مغايرة للألوان الأدبية كل هذه البوادر الحيَّة من الألوان والاتجاهات والتيارات التي بدأت تأخذ طريقها إلى الظهور على السطح، ووجدت تفاعلها الأولى في الندوات والهيئات و الروابط الثَّقافيَّة والأدبيَّة كلها في ذلك الزمن كانت تلقائية، وقد لا يربط بين أعضائها إلاَّ المكان المختار لجلوسهم أمثال المقاهي أو على أطراف القرى أو الأرياف أو المزارع أو داخل المنازل فهذه الأماكن تعتبر من أكثرها احتكاكاً بالحياة اليوميَّة لا بناء الوطن العربيِّ فكل هذه الندوات وهذه اللِّقاءات الأدبيَّة بدون استثناء محاولات أفراد أصحاب فكر وموقف، وذلك من أجل تثبيت دعائمه وإرساء قواعده الفكريَّة والأدبيَّة على السواء.. وعلى الرغم من طول هذه الصالونات لنشاطها الفكريِّ والنقديِّ والإبداعيِّ تجمعهم حول معنى الأدب ومعنى الابداع ومعنى محاولة خلق رؤية مستقبلية لأدبنا العربيِّ.. وارتفعت قضايا الأدب والفكر على كل القضايا، فإذا دار الحوار أو النَّقاش عن قضايا الأدب والتراث واختلف الاعضاء تارة واتفقوا تارة فإن إنتاجهم الأدبيِّ جميعاً قد اثراء الحوار والنَّقاش وذلك نتيجة الاختلاف أو الاتفاق فتحددت قضايا ورسمت مناهج وظهرت ابحاث ودراسات فكان لها دور فعَّال في تحريك حياتهم الثَّقافيَّة وحياتهم الأدبيَّة خاصَّة نحو الثراء والعطاء والدِّقَّة والإخلاص في الرأي والجدية في كل شيء .. لماذا لا نعمل على ملء الفراغ الثًّقافي الَّذي يعاني منه عدد كبير من جيل الشّباب حاليّاً، وذلك عن طريق اللِّقاءات والنَّدوات والمسابقات الثَّقافيَّة حتى يشاركوا بطريقة فعَّاله وبحرس وهمَّة حيث يتحلى بالجو الصحي في الحوار والنقاش وحيث المعلومة اصحيحة والرأي السليم لماذا لا تعود إلى حياتنا الثَّقافيَّة هذه المناقشات والمعارك الفكريَّة التي تغرينا بالاقتراب من المنابع الأصليَّة للثقافة والعلم.. لماذا لا تبدأ المؤسسات الصحفيَّة والإعلاميَّة كذلك إن عودة شباب الأمَّة إلى النَّشاط المنظم إلى حياتهم الفكريَّة هي أحد المخارج السليمة والهامة لمشاكل الفراغ الفكريِّ لتلك الأجيال الصَّاعدة.
والله الموفِّقُ والمعين.