جمال العمير
الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بفضل دهائه السياسي وقوة قراراته، نجح في إزاحة معارضيه بحنكة وتخطيط محكم. قاد البلاد وسط أجواء سياسية معقدة. موجها السفينة المصرية بمهارة نحو التوازن بين الحرب والسلام. ففي الوقت الذي خطط فيه بدقة للانتصار في حرب اكتوبر1973كان يعد العدة أيضا لفتح باب السلام، مما جعله قائدا استثنائيا في القدرة على تحقيق ما بدا مستحيلا.
عندما تسلم السادات رئاسة مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر، واجه تحديات سياسية كبيرة من عدد من الشخصيات الناصرية والقيادات العسكرية التي شككت في قدرته على القيادة. من أبرز هؤلاء المعارضين:
علي صبري: نائب الرئيس في عهد عبد الناصر وأحد رموز التيار الناصري. والذي كان يعتقد أن السادات سيكون مجرد امتداد لعبد الناصر دون تغيرات كبيرة. لكنه سرعان ما اختلف معه بعد أن بدأ السادات يتخذ قرارات مستقلة.
شعراوي جمعة: وزير الداخلية والقائد الناصري البارز، كان له دور بارز في جهاز الامن المصري.
سامي شرف: سكرتير جمال عبد الناصر للمعلومات، وأحد أكثر الشخصيات المقربة من ناصر.
الفريق محمد فوزي: قائد الجيش المصري خلال حرب 1967واحد القيادات العسكرية التي رات ان السادات قد لا يكون قائدا قويا للمرحلة المقبلة.
استخدم السادات ذكاءه السياسي ودهاءه للتخلص من هؤلاء المعارضين عبر عدة مراحل
ثورة التصحيح (1971) في 15مايو:
قام السادات بما أطلق عليه ثورة التصحيح، حيث أزاح علي صبري ورفاقه من مراكز السلطة: في إطار هذه الحملة، تم اعتقال علي صبري وشعراوي جمعة وسامي شرف وآخرين بتهمة التآمر علية ومحاولة الإطاحة به.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية
عمل السادات على ضمان ولائها له وعين شخصيات جديدة في مناصب حساسة ليحكم قبضته على الدولة. مما مكنه من اتخاذ قرارات كبرى ومصيرية مثل حرب أكتوبر ومن ثم توقيع اتفاقية السلام.
حرب أكتوبر
قبل الحرب لابد من التعرف على وضع سيناء قبل الحرب.
مساحة سيناء 60 ألف كم مربع. كانت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ عام 1967م. وحتى تحمي إسرائيل نفسها وتعدم الامل لأي محاولة مصرية بالتفكير باسترجاع سيناء. بنوا أكبر خط دفاعي في العالم على الضفة الشرقية لقناة السويس وأطلقوا عليه خط بارليف نسبة لمن امر بإنشائه وهو حاييم بارليف رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية.
خط بارليف: يتكون من المانع الطبيعي قناة السويس: وهي بالأصل موجودة تمتد من بورسعيد شمالا على المتوسط إلى السويس جنوبا على البحر الاحمر بطول 200كم وعرض من 180م إلى 200م. والمانع الثاني اقنية النابلم تحت الماء والتي لو فتحت لجعلت القناة عبارة عن كتلة من الجحيم. ومن ثم الساتر الترابي بارتفاع 20م إلى 25م وبعدها خطين دفاعيين متحركين. إضافة لامتلاكها سلاح طيران متطور جدا قادر على اصطياد المدرعات والدبابات المصرية ان استطاعت عبور الموانع.
إضافة إلى ذلك إلى وقوف أمريكا والغرب كله خلفها ليعلن حاييم بارليف من انه سوف يسحق أي محاولة للاقتراب من قناة السويس.
فكان لابد من عملية اتباع خطة محكمة لمعركة التحرير أطلقت القيادة المصرية عليها
خطة الخداع الاستراتيجي
في عام 1971 أعلن السادات ومن أمام مجلس الشعب المصري أنه لن يسمح بسنة الـ 1971 أن تمر دون حسم. مضت سنة 1971 ولم يكن هناك حسم وعندما سئل عام 1972 لماذا لم تحارب سنة 1971 قال هناك ضباب مخيم على القارة الهندية (يقصد الحرب بين الهند وباكستان) وأريد أن تسلط الأضواء نحو منطقتنا. بدأت الصحف العربية والعالمية بالتهكم والاستهزاء ورسوم الضباب المعبرة عن خطابه. لكن كانت خسارة أسرائيل 10 ملايين دولار نتيجة تعبئة جيشها. في عام 1972 اتخذ خطوة كبيرة جدا بأن أعلن عن طرد الخبراء السوفييت من مصر وكان عددهم 7752 خبيرا ما جعل إسرائيل تستيقن من انه لو كان يريد الحرب لبقوا عنده.
كما أعلن السادات للصحافة من باب الخداع انه سيشن حربا على إسرائيل في مايو عام 1973 وفي نفس العام في شهر أغسطس أعلن عن بدء الحرب مع إسرائيل. فكانت تكلفة كل تعبئة على إسرائيل 10 ملايين دولار على لسان موشى ديان. كما يقول السادات في أحد لقاءاتي مع وزير خارجية أجنبي قلت له إني ذاهب إلى الأمم المتحدة في أكتوبر بشرط أن لا تعلم رئيسك وقال السادات إني أعرف أن ذلك سيصل إلى إسرائيل في نفس اليوم. عندما أيقن أن الاستعدادات اكتملت وأن العدو ابتلع الطعم أمر السادات المخابرات الحربية المصرية بدراسة أحوال القناة وبدورها أبلغت مصلحة الأرصاد الجوية عن دراسة كاملة عن أحوال القناة خلال عام كامل وخرجت الدراسة لتقول أن القناة جاهزة للعبور يوم 6 أكتوبر 10 رمضان الساعة الثانية ظهرا. بعدها تم تحديد القيام بعملية عسكرية سرية جدا تحت مسمى خطة بدر.
لماذا كانت يوم السبت السادس من أكتوبر ولماذا الساعة الثانية ظهرا أولا يوم السبت يكون إجازة عند اليهود وهو يصادف عيد الغفران وفي هذا اليوم يقف البث الإذاعي والتلفزيوني. يعني لو قامت الحرب لا يستطيعوا الاستعانة بالبث الاذاعي والتلفزيوني للاستعانة بالقوات الاحتياطية. وإن تمكنوا من ذلك سيستغرق وقتا.
ولماذا 10 رمضان لأن الهلال يقترب من أن يكون بدرا. فتكون السماء مضاءة تساعد الجنود على الرؤية الليلية وفي ذلك اليوم تكون الرياح هادئة والحاجة الثالثة أن مياه القناة تكون في حالة الجزر أي تكون هادئة وفي ذلك ما يسمح لعبور القوارب يشكل سهل ولماذا الساعة الثانية ظهراً لأن الشمس تكون أخذت في الميلان نحو الغروب وتكون في ظهر الجندي المصري وبظهر المدفعية المصرية وبالنسبة للإسرائيلي الشمس بمواجهته ما يعيق الرؤية لديه. وبالنسبة لأي دولة تدخل الحرب من اللازم ان يكون لديها مخزون اقتصادي من السلع والأدوات والأطعمة التي يحتاجها الجيش والشعب. في مصر مثلا أول شيء يحتاجه الجيش والشعب هو القمح. فسربت المخابرات الحربية للإعلام المصري من أن مياه الأمطار اتلفت المحاصيل الزراعية وخربت الصوامع والمستودعات، مما مكن الحكومة المصرية وبدون أن تشعر إسرائيل من ان تستورد احتياجاتها بشكل كامل.
الحاجة الثانية أنه أثناء الحرب سيحصل هناك جرحى ومصابون. والمستشفيات لا يمكن من استيعاب العدد الكبير من الجرحى والمصابين. فكان لابد من اخلاء المسفيات الميدانية من دون ان تشعر إسرائيل بذلك. هنا كذلك جاء دور المخابرات الحربية.
حيث سربت خبراً للإعلام المصري يوم 1 أكتوبر من أن مدير مشفى الدمرداش أعلن عن تفشي فيروس (التيتانوس) وهو مرض معد ولابد من اخلائه وتكررت العملية بنفس الأسلوب ثاني يوم وثالث يوم حتى تم افراغ ثمانية مشافي دون أن تشعر إسرائيل بذلك وبالتالي أصبحت المستشفيات الميدانية مفرغة بشك كامل. وفي فترة الحرب يمكن ان تقطع الكهرباء لفترات طويلة ومن اللازم توفير أعداد كبيرة من الكشافات للشعب والجيش. وهنا كذلك جاء دور المخابرات الحربية المصرية. كلفت ضابط حربية بالتنكر وذهب لمقابلة أحد من مهربي قطع السيارات واتفق معه يجيب مختلف القطع والأحجام وتدخل مهربة، وبالفعل جاب الشحنة كاملة مهربة مع قطع السيارات وأول ما وصلت على الحدود تم القاء القبض عليها بواسطة حرس الحدود بشكل قانوني جدا وقام الجيش بنقل جميع الورش للسيارات والجنازير والعربات والدبابات ووضعها قرب القناة حتى يتم إصلاحها. كان من الطبيعي ان الدبابات أو المجنزرات التي تدخل هي للإصلاح لكن الحقيقة ان الدبابات والمجنزرات التي تدخل للإصلاح هي جاهزة. تدخل خمسة وترجع واحدة للتمويه. فالورش كانت نقطة انطلاق الدبابات يوم العبور. كما تم الإعلان في رمضان عن رحلة لضباط الجيش المصري للعمرة وبالفعل تم تقسيم الرحلات إلى ثلاث مراحل والإعلان عنها في الجرائد. فكان دور السعودية عن طريق السفير السعودي دور كبير ومشرف باستخراج اعداد كبيرة من التأشيرات كما تم الإعلان عن زيارة رسمية لقائد القوى الجوية إلى ليبيا في الأول من أكتوبر وفي التوقيت نفسه كان وزير الخارجة المصري احمد حسن الزيات في أمريكا في اجتماع للأمم المتحدة. كما تم الاعلام يوم 7 أكتوبر عن زيارة الاميرة الإنكليزية ماركريت اخت الملكة إليزابيت ملكة بريطانيا كما اعلن وزير الحربية المشير احمد إسماعيل عن استقبال وزير الدفاع الروماني يوم 8 أكتوبر.
يقول السادات في 1 أكتوبر اجتمعت بالقادة العسكريين، واستمعت لمداخلاتهم وفي اليوم الثاني وقعت قرار الحرب مع المشير أحمد إسماعيل. في 5 أكتوبر وتحت جنح الظلام تحركت مجموعة من قوات الصاعقة المصرية لتغلق أنابيب النابلم ونجحت في تحقيق ذلك. وفي اليوم السادس الساعة الواحدة والنصف ذهبت والمشير أحمد إسماعيل بسيارة عسكرية إلى غرفة العمليات التي يقودها اللواء عبد الغني الجمسي وأثناء مرورنا على ضفة القناة شاهدت الجنود والضباط يتناولون قصب السكر من باب التمويه وخداع العدو.
في الساعة الثانية ظهراً أعطيت أمراً بتنفيذ خطة بدر فانطلقت 222 طائرة نفاثة لتدك مواقع العدو وحصونه ونجحت بنسبة 90 % بالإجهاز على قيادات العدو ومقراته استغرقت العملية 20 دقيقة وكانت خسائرنا خمس طائرات فقط أي ما يعادل 2 % وكان من ضمنهم أخي عاطف السادات.
لتبدا بعدها مدفعية الميدان بإلقاء حمما على تجمعات العدو ومقراته لتبدا بعدها القوات المصرية بالعبور وخلال ست ساعات تمكنت القوات المصرية اجتياح أكبر مانع في التاريخ والعبور إلى الضفة الشرقية للقناة وبعمق يتراوح ما بين الـ15كم إلى 20كم على امتداد القناة. حصلت ثغرة الدفرسوار على الضفة الغربية للقناة وروج بعض المغرضين من الطابور الخامس لها كثيرا. وقف السادات ليعلن اتها معركة من خمسين معركة لصالحنا. وعندما أمر السادات بسحقها تدخلت أمريكا على لسان وزير خارجيتها كسنجر، وتم بعدها وقف لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى الضفة الشرقية للقناة وبدأت بعدها مفاوضات السلام ليتمخض عنها انسحاب إسرائيل من كامل سيناء لتعود إلى أرض الوطن.