د. محمد بن أحمد غروي
تُعد دول جنوب شرق آسيا من الرواد في تقديم مفهوم «اقتصاد التجربة»، حيث انتقلت من الاقتصادات التقليدية المعتمدة على الإنتاج والخدمات إلى تقديم تجارب متكاملة تجعل الزائر محور القصة، ففي اليابان، يلاحظ السائح دقة تفاصيل تصميم المرافق والخدمات؛ بهدف توفير تجربة مريحة وممتعة، بينما تميزت سنغافورة بتطوير وجهات تعتمد على التكنولوجيا والابتكار لتقديم خدمات سلسة تجعل الزائر يشعر وكأنه محور التجربة.
من أبرز الأمثلة على هذا التحول أيضًا، ماليزيا التي تُعد نموذجًا ناجحًا في تطبيق «اقتصاد التجربة»، من خلال تطوير وجهات سياحية وثقافية متنوعة، مثل منطقة «لانكاوي» السياحية، التي تركز على الابتكار في الخدمات السياحية، وتوفير تطبيقات تسهل على الزوار التنقل والوصول إلى الوجهات، مما يعزز ارتباطهم بالوجهة ويشجعهم على العودة إليها.
هذا التحول نحو «اقتصاد التجربة» لا يُعد مجرد مفهوم اقتصادي، بل هو رؤية متكاملة تهدف إلى تلبية احتياجات الزائر ورفع مستوى رضاه؛ لأن نجاح الوجهات الحديثة يعتمد بشكل كبير على توفير تجربة شاملة ومصممة بعناية، وهو ما أصبح عاملًا جوهريًا لجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
هذه التجارب تقدم دروسًا قيمة للدول الطموحة، مثل السعودية، التي تتطلع في إطار رؤية 2030 إلى تحويل السياحة الدينية إلى تجربة متكاملة تتجاوز الخدمات التقليدية، وتهدف إلى إثراء تجربة الزائر بأبعادها الروحية والثقافية.
في هذا السياق، يظهر مقال الأستاذ ياسر أبو عتيق، الرئيس التنفيذي لشركة أم القرى للتنمية والإعمار، بعنوان «مسار صناعة الوجهات واللمسات الأخيرة»، كإطار مرجعي يوضح كيف تقترب وجهة «مسار» في مكة المكرمة من هذا النموذج العالمي، خاصة أنها تُمثل مشروعًا استثنائيًا في قلب العاصمة المقدسة، وتسعى إلى تقديم تجربة شاملة لضيوف الرحمن، تتجاوز حدود المشاريع العقارية التقليدية، لتصبح تجربة متكاملة ومترابطة تهدف إلى خدمة الزوار على مستوى عالٍ من الجودة والابتكار.
وكما أوضح أبو عتيق، تُركز «مسار» على جعل الزائر محورًا للتجربة، خاصة أن الوجهة تقع على بُعد مسافة قصيرة من الحرم المكي الشريف، وهي أكثر من مجرد بنية تحتية متطورة، إذ تقدم رحلة متكاملة تلبي احتياجات الزائر الروحية والخدمية، فضلًا عن تميزه المشروع باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل اللوحات الإرشادية متعددة اللغات والتطبيقات الذكية التي تسهل تجربة ضيوف الرحمن والزوار والسكان، مما يجعله يحاكي أفضل الممارسات العالمية، ولكن برؤية خاصة لمكة المكرمة.
ما أستخلصه من مقال أبو عتيق، هو أن الوجهة تسعى إلى خلق تجربة متكاملة تجعل الزائر جزءًا من الحكاية، مما يعزز شعوره بالارتباط الروحي والثقافي بها، وهذا النهج ليس فقط انعكاسًا للتجارب الناجحة في آسيا وغيرها من دول العالم المُتقدم، ولكنه يعكس رؤية سعودية مبتكرة في «صناعة الوجهات».
في النهاية، يبرز مشروع «مسار» كواحد من المشاريع الرائدة التي تضع السعودية في مقدمة الدول التي تطبق مفاهيم «اقتصاد التجربة»، مما يعزز مكانتها كوجهة عالمية تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم وتقدم لهم تجربة لا تُنسى.