محمد سليمان العنقري
قاعدة صحية ثابتة تقول «الوقاية خير من العلاج» والتي لها مدلولات عديدة، وتنفيذها يعتبر من الثقافات التي يجب أن يتأسس عليها أي مجتمع بدايةً من سن مبكرة لأفراده، فبعض الدول المتقدمة مثل الاسكندنافية في اوروبا تطبق هذا المفهوم، كما يعرف عنها بطرق واساليب عديدة ساهمت في تعزيز مناعة الافراد وتقليل فاتورة العلاج، وبما انه حالياً يعقد في المملكة ملتقى الصحة العالمي الذي يشهد زخماً كبيراً وواسعاً بالمشاركة محلياً وعالمياً، ويتناول مختلف الجوانب المتعلقة بالصحة وما يرتبط بها من صناعات دوائية واجهزة وطرق ادارة حديثة للقطاع الصحي وحجم الاستثمارات التي يحتاجها والعديد من الجوانب التي تغطي كل ما يدور بواقع الصحة حالياً والتطلعات المستقبلية لها، واستخدامات التقنية الحديثة فيه مثل الذكاء الاصطناعي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل تحظى الوقاية باستراتيجية واضحة تنال من الاهتمام والانفاق عليها ما يناله قطاع صناعة العلاجات؟
في المؤتمر رشحت معلومات تتحدث عن أنحجم سوق الادوية بالمملكة سيصل إلى 72 مليار ريال عام 2030 م وهو رقم كبير جداً، وقد يعبر عن فرص استثمارية هائلة للتوسع بصناعة الادوية خصوصا أنعدد الادوية التي تستخدم في المملكة يصل إلى حوالي 8000 الاف نوع ومنها ما يصل إلى 180 نوعا تقريبا تعد الاكثر اهمية واستهلاك، فعملية تحقيق اكتفاء ذاتي من تصنيع بعض الادوية امر في غاية الاهمية وله انعكاسات ايجابية كبيرة كتوفير الادوية محلياً بدلا من استيرادها واحتمالية تأخر وصولها كما حدث بأزمة كورونا عالمياً، حيث انقطعت سلاسل الامداد ولولا أن المملكة لديها خطط تحوط لوجستية ممتازة لكانت هناك مشكلة بواردات بعض الادوية كما حدث ببعض الدول في حينها، إضافةً إلى أن صناعة الادوية تجذب استثمارات وتولد فرص عمل وتقلل من الواردات وتنعكس بقيمة مضافة في بعض صناعاتنا الاساسية بدلاً من تصدير منتجاتها الوسيطة، حيث ترفع من القيمة المضافة في الاقتصاد والصناعة الوطنية ونؤسس لصناعة دوائية بتوطين تقنياتها وابحاثها.
لكن الحديث هو لماذا لا نتوسع اكثر ببرامج الوقاية ويكون لها « برنامج وطني بمعايير وفاعلية عالية يضم عدة جهات »، فصحيح أن هناك بعض المبادرات المهمة مثل اللقاحات الموسمية للوقاية من بعض الامراض، إضافة لمنع بيع بعض المأكولات والمشروبات التي تعد مسببة للسمنة في منافذ البيع بالمدارس، وكذلك فرض شروط لمعايير بعض الصناعات الغذائية لتحسين الصحة العامة، لكن هناك ايضاً حاجة للتعمق اكثر بالوقاية من خلال زيادة ممارسة الرياضة بالمدارس، إضافة للاهتمام بتعزيز ثقافة استهلاك مواد غذائية لها قيمة صحية كبيرة وتساعد ببناء اجسام قوية للأطفال والنشء بشكل اساسي؛ مما يرفع من مستوى مناعتهم إضافة للعمل على زيادة الاشتراك بالأندية الرياضية المملوكة للدولة وليس المقصود مراكز خاصة لارتفاع تكلفتها، وذلك لزيادة دورها في تعزيز الصحة العامة وكذلك انتشار للملاعب الصغيرة في الاحياء، إضافة لمراجعة بعض مدخلات مواد غذائية رئيسية مثل الجلوتين في الدقيق والذي تشير بعض الدراسات إلى أن له تأثيرا سلبيا على عمليات الهضم، إضافة للعمل على تخفيض تكلفة بعض انواع الدقيق التي لا تحتوي على كربوهيدرات حيث ترتفع اسعارها كثيراً، ويضاف لذلك الكثير من العمل على برامج تنشر ثقافة الوقاية بتفاصيل دقيقة توازي ما يقدم من اعلانات لمأكولات ضارة بالصحة على المدى الطويل كبعض الوجبات السريعة.
الفائدة الاقتصادية للوقاية كبيرة تماماً مثل الفائدة الصحية للمجتمع، فزيادة الوعي المجتمعي بالوقاية يحافظ على الصحة العامة ويقلل من الامراض الموسمية والمزمنة مما ينعكس ايجاباً على نشاط الافراد وزيادة انتاجيتهم، وكذلك منع السمنة واضرارها لدى الاطفال والشباب والتنبيه لبعض السلوكيات الضارة مثل استهلاك السكريات والمنبهات بكثرة او المشروبات الغازية وقضاء ساعات طويلة باستخدام الاجهزة الالكترونية وطرح برامج محفزة اكثر لممارسة الرياضة وانشطتها العديدة واكتشاف المواهب بمختلف الالعاب؛ مما يقلل ايضاً من فاتورة العلاج وتكاليفه كثيراً ويتحقق ذلك بتعاون بين جهات عديدة وليس طرفا واحدا فقط كوزارة الصحة، فهناك دور للتعليم والاعلام ووزارة الرياضة وكذلك التجارة وامانات المدن وبعض الهيئات والعديد من الجهات ذات العلاقة.