نجلاء العتيبي
تعبير «سنة من السنين» يُستخدم غالبًا للإشارة إلى حدثٍ وقع في الماضي دون تحديد دقيق للزمن؛ ما يمنح المتحدِّث مرونةً لتفادي الدخول في تفاصيل زمنية قد تكون غير ضرورية، هذا الأسلوب يظهر بشكل بارز في الحكايات الشعبية، والقصص التاريخية، حيث يسعى السارد لوضع المتلقي في سياق زمني عام دون الخوض في تفاصيل دقيقة؛ ما يُضفي على القصة نوعًا من الشمولية والارتباط بأزمان غابرة.
هذا النوع من السرد لا يُعَدُّ مجرد أداة فنية؛ بل هو أسلوب يحمل في طيَّاته رسالة مفتوحة للتأويلات المختلفة؛ إذ يمنح المستمع أو القارئ الحريةَ في تشكيل فهمه الخاص للأحداث دون أن يكون مقيدًا بزمن محدد، ومع ذلك، فإن هذا النمط من السرد قد يحمل بعض المخاطر، ففي بعض الأحيان، يُستخدم كوسيلة للتحايل أو تحريف الحقائق؛ ما يؤدي إلى تشويه صورة الأحداث، وإخفاء بعض التفاصيل المهمة.
إحدى الإشكاليات البارزة في استخدام هذا الأسلوب هو إمكانية انحياز السارد إلى وجهة نظر محددة؛ ما يؤدي إلى تلوين القصة وفقًا لرؤيته الشخصية، في هذه الحالة، تتحوَّل القصة إلى أداة ترويجية لوجهة نظر معينة، مُفرَّغة من أبعادها المتعددة، وهذا يؤثر سلبًا في مصداقية الرواية؛ إذ يُهمِّش بعض الوقائع، ويُبرز أخرى لخدمة أهداف معينة، وعندما يتمُّ التغاضي عن الأبعاد المتنوعة للقصة، يُحرَم المستمع من الوصول إلى فهم شامل وواقعي للأحداث.
التغيير في السرد هنا لا يُعد مجرد تحريف طفيف، بل هو إعادة تشكيل للوقائع بما يتوافق مع المصلحة الشخصية، سواء كانت تلك المصلحة تهدف إلى تحسين صورة ما أو إخفاء حقيقة غير ملائمة، في هذه الحالات، يتحوَّل السرد إلى وسيلة للسيطرة على الوعي الجمعي، حيث تُوجَّه العقول نحو رؤية محددة تمَّ تصميمها بدقة؛ ما يحدُّ من فرص التحليل والتفكير النقدي.
من هذا المنطلق، تتجلَّى أهمية السرد المتوازن الذي يعرض الأحداث بموضوعيةٍ دون تحيُّز أو انتقاء، فالقصة الجيدة هي تلك التي تعكس الواقع كما هو، حتى لو كان مليئًا بالتعقيدات والغموض، الجمال الحقيقي للسرد يكمن فيما يُترَك للعقل ليكتشفه ويفكر فيه، وليس فيما يتمُّ فرضه على القارئ من رؤًى ضيقة.
في النهاية؛ يمكن القول: إن تعبير «سنة من السنين» يحمل مرونة تسمح بفتح أبواب القصة على احتمالات متعددة، لكنه أيضًا قد يتحوَّل إلى أداة خطيرة إذا أُسيء استخدامه، فبينما تمنح العمومية حرية في التفسير، قد تُستغل لإخفاء حقائق أو تشويه وقائع، ولهذا، من الضروري أن تكون القصص مرآةً تعكس الحقيقة بجميع جوانبها؛ لأن السرد ليس مجرد كلماتٍ تُلقى، بل هو أداة لنقل الحقائق والمواقف عبر الزمن.
ضوء
الدقة في نقل القصة تجعلها تتلألأ.
التحريف يُخفي جمالها، بينما الأمانة تجعلها تنبض بالحياة، وتعكس جوهرها.