سطام بن عبدالله آل سعد
في السنوات الأخيرة، شهدت السوق العقارية تذبذباً ملحوظاً في الأسعار، مما أثار تساؤلات حول الأسباب الفعلية وراء هذا الارتفاع المفاجئ. بينما يعتقد البعض أن زيادة الطلب وقلة العرض هي السبب، يكشف الواقع عن أن التلاعب بالأسعار من خلال استراتيجيات تسويقية غير شفافة هو العامل الأساسي. بعض المكاتب العقارية تقوم بعرض نفس العقار مرات متعددة بأسعار متفاوتة، والتي توهم المشترين بارتفاع دائم للأسعار، فيندفعون للشراء بسرعة خوفاً من زيادة أكبر.
هذه الممارسات لا تقتصر على حالات فردية، بل قد تكون جزءًا من مجموعة أكبر تضم صغار المضاربين الذين يسعون لتحقيق أرباح سريعة على حساب استقرار السوق ومصلحة المستهلكين. انتشار العروض لنفس العقار يؤدي إلى زيادة الأسعار بشكل غير مبرر، ما يُحدث إلى إضعاف القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، التي تشكل المحرك الرئيس للسوق، ويخلق بيئة اقتصادية غير مستقرة.
الحل لهذه الظاهرة قد يكمن في إنشاء منصة رقمية وطنية للعقار، توفر بوابة موحدة لعرض العقارات للبيع أو الإيجار مباشرة من الملاك، دون الحاجة للوسطاء التقليديين أو الاعتماد على منصات رقمية غير موثوقة. هذه المنصة ستكون أداة حاسمة في تنظيم السوق من خلال تقديم معلومات دقيقة وشاملة حول العقارات المتاحة، بحيث يتمكن المشترين من الوصول إلى الأسعار الحقيقية. علاوة على ذلك، ستسهم المنصة في تقليل تكاليف الوساطة (السعي)، الأمر الذي يعزز العدالة والشفافية في التعاملات العقارية، ويزيد من الثقة في السوق.
تعتمد المنصة الوطنية نظام تسجيل عقاري يستند إلى الوثائق الرسمية لضمان دقة وموثوقية المعلومات المقدمة. كما ينبغي أن تتضمن المنصة تصنيفاً شاملاً للعقارات بناءً على الموقع، المساحة، والحالة، ما يُسهل على المشترين اتخاذ قرارات مدروسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمنصة تبني نظام تقييم عقاري مستقل يعتمد على معايير اقتصادية وجغرافية دقيقة، يهدف إلى تحديد الأسعار بشكل عادل، مع ضمان استدامة التسعير وشفافيته.
من جهة أخرى، يلعب تدخل الجهات المعنية دورًا محوريًا في تنظيم السوق العقاري من خلال إصدار تشريعات صارمة تحد من التلاعب بالأسعار وتفرض رقابة مشددة على المكاتب العقارية، والتي معظمها يعتمد على العروض غير المنطقية. كما يجب على هذه الجهات تعزيز الرقابة على الأنشطة غير المشروعة التي يديرها بعض الأطراف غير الظاهرة، والتي تساهم في تعاظم الأسعار بشكل غير مبرر.
إذا استمر السوق العقاري بالاعتماد على هذه الممارسات الخاطئة، فإن المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع الأسعار، بل في تآكل الثقة في مستقبل الاستثمار العقاري. إن نقص المعلومة يضعف قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات مالية حكيمة، ويجعل من حلم امتلاك منزل مسألة صعبة. فالمنصة الوطنية للعقارات ستكون مُنظمة للسوق ومحققة للتوازن المنشود بين العرض والطلب، مما يتيح فرصًا عادلة للمستهلكين ويحميهم من الاستغلال، وإلاَ سنظل ندور في حلقة مفرغة، تُهدر فيها فرص التنمية المستدامة وكذلك جودة الحياة.. مهلاً أيها العقار!
** **
- مستشار التنمية المستدامة