د. محمد بن إبراهيم الملحم
مؤخراً أطلقت وزارة العدل عقدا ينظم العلاقة بين ولي لأمر والمدرسة الأهلية ليحل مشكلة عدم التزام بعض أولياء الأمور بتسديد الرسوم مما يوقع المدارس الأهلية في حرج كبير، لاسيما أن المدرسة الأهلية لا تستطيع حرمان الطالب من الحصول على الخدمة التعليمية في حين أن الرسوم لم يتم دفعها، وهو ما يتسبب في مشكلات إدارية ومالية متنوعة على المدرسة الأهلية، والتي يعتمد تشغيلها على ما تحصله من الرسوم الدراسية التي يدفعها ولي الأمر كما هو معروف. وهذه الخطوة تعتبر خطوة فعالة وجيدة من وزارة العدل مشكورة ليصبح العقد سندا تنفيذيا ملزما يكفل للمؤسسة التعليمية أو المدرسة الأهلية حقوقها المالية بالكامل وبدون تبعات إدارية أو مالية إضافية قد تتمثل في تكليف جهة متخصصة في تحصيل الديون أو تكاليف قانونية لرفع دعاوى ضد أولياء الأمور غير المسددين، فالعقد الحالي كسند تنفيذي سيسهل لها الحصول على الحق ويضمنه دون أي تبعات. كل ذلك مع بقاء مبدأ استمرار الطالب في الدراسة بالمدرسة الأهلية دون مساس بحقه في التعليم ومواصلة تعلمه إلى حين إنهاء العلاقة التعاقدية مع ولي أمره بنهاية العام الدراسي.
وتمر رحلة العقد بخطوات إلكترونية من خلال منصة «مدارس» والنفاذ الوطني وتحديد المدرسة وبيانات الطالب ثم إنشاء طلب تعاقد يتم قبوله بعد ذلك بواسطة المدرسة والتي سوف تتولى إصدار العقد مبدئيا ثم يقوم ولي الأمر بالموافقة عليه إلكترونيا من خلال المنصة. هذا الإجراء المتقدم تقنيا وقانونيا لا أتصور أن هناك مثيلا له في العالم، وهي أسبقية سعودية تشكر عليها كل من وزارة العدل ووزارة التعليم، وهي خطوة إضافية لتشجيع التوسع في التعليم الأهلي والذي تعبّر نسبة جيدة منه اليوم عن أنموذج الجودة التعليمية في بلادنا، فكلنا نعلم أن دعم ومساندة المؤسسات الاستثمارية في حفظ حقوقها هو من أهم مفاتيح تعزيز الاستثمارات المحلية ورعايتها لتنشيط الاقتصاد المحلي من جهة ولرفع التنافسية في جودة تقديم الخدمات من جهة أخرى، وهو ما يتناغم مع متطلبات رؤية المملكة 2030 ويحقق أهدافها.
وكانت وزارة العدل قد اتجهت مؤخرًا إلى التوسع في إطلاق منتج العقود الإلكترونية الموثقة لتصبح سندات تنفيذية وأداة فاعلة في حفظ حقوق أطراف العقد؛ لتعزيز العدالة الوقائية، وتمكين العدالة الناجزة، وأتمنى بهذه المناسبة أن تلتفت الوزارة إلى عقود مهمة جدا ولها آثارها الاقتصادية الكبيرة جدا وهي عقود المقاولات مع الأفراد، حيث يلجأ الأفراد إلى عمل عقود لبناء البيوت أو تشطيبها أو ترميمها أو توريد متطلبات البناء أو تصنيع وشراء أثاث ومستلزمات المسكن ولكنهم يوقعون على عقود (بعشرات الآلاف) تعدها الشركات المقدمة للخدمة أو المنتج وتلزمهم بها وبشروطها والتي تكون غالبا غير منصفة بما فيه الكفاية وإنما تستوفي كل التفاصيل اللازمة لحفظ حقوق الشركة وتترك الطرف الآخر بدون حقوق كافية، كما أنها لا تسمح بإضافة شروط منطقية بديهية أحيانا مثل الشرط الجزائي، وهو ما يترتب عليه حجز أموال الأفراد التي دفعوها كدفعات مقدمة مدة أطول بكثير من العقد نتيجة لتأخر هؤلاء المقاولين أو الشركات المصنعة والموردة، كما أن الأفراد يستلمون أحيانا خدمات أو منتجات أقل جودة مما وعدوا به، ولكن عقودهم لم تتضمن تلك الوعود والتوصيفات لرفض الشركات تضمينها، الأمر الذي يستنزف أموال الأفراد لمنتج أقل جودة ولمدة أطول زمنا وكلا العاملين يعتبران على المدى البعيد مؤثرا سلبيا على الاقتصاد المحلي خاصة عند النظر إلى المقياس الأكبر المتمثل في عدد الأشخاص الكبير الذين تقع عليهم هذه الممارسات، أتمنى أن تبادر وزارة العدل مشكورة بالتنسيق مع وزارة التجارة ووزارة الشئون البلدية والجهات الأخرى المختصة بسرعة إنجاز عقود إلكترونية مماثلة تحل هذا الإشكال الكبيرة قياسا على نجاحها الجميل في عقد المدارس الأهلية والعقود الإلكترونية الأخرى.