عبدالعزيز صالح الصالح
تُشكِّل صناعة المعرفة في هذا العصر مصدراً مهماً من مصادر التِّقدم والرقي في حياة الشعوب وتقدمها وتطلعها إلى الأمام، حيث تُعد رافداً من الرّوافد الأساسيَّة الَّتي تملك رصيداً كبيراً من إبجديات المعرفة من أدوات ووسائل وطرق ومفاهيم ومبادئ لبناء مجتمع متطور تغدو فيه العلوم والمعارف والمهارات والأفكار التي تمثّل جسداً حياً ومثالاً بارزاً وفعَّالاً تتحلَّى فيه روح الحياة وعلو الهمَّة والحيوية والنشاط وتكون واقعاً ملموساً في حياة الأمَّة وتقدمها. فإن صناعة المعرفة لم تكن خياراً لكل فرد من أفراد المجتمع، بل تكون ضرورية ملحة ومهمَّة في عصر تلك الثورة المعرفية التي طورت تلك الشّعوب في هذا الزّمن الحالي وبالتَّالي يصبح المجتمع بين أمرين مهمين إما إن يبادر أو يشارك أو أن يبقى منعزلاً - بعيداً كل البعد عن منصة تقدم وتطور الأمَّة فالصروح العلميَّة العالية لم تتقدم إلى الأمام وتصل إلى قمَّة الريادة إلاَّ بعد اعتمادها بعد الله على فلسفة معرفية واضحة المعالم منهجاً وفكراً ورؤى ثابتة فالبعض من النَّاس يفهم أن المعرفة توافق بين العلم والعمل معاً فالمعلومة بالشكل التجريدي فهي علم ملموس في حياة الأمَّة إلى جانب أنَّها مادَّة حيَّة نافعة للبنَّاء والتشييد فإن فلسفة الدَّين الإسلاميِّ بني على هذا الأساس، حيث نجد فيه كتاب الله الكريم آيات أبرزت أهمِّيَّة العلم والعمل يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة.
وقال تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طه.
وقال الباري عزَّ وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (28) سورة فاطر.
وقال تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} سُورة التوبة آية 150
وقال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} سُورة الكهف آية 30
في هذه الآيات الكريمات سابقة الذكر رفعت من شأن العلم والعلماء والعمل في أمور تكاملية أبرزت للمتلقِّي الفلسفة التكاملية للحياة في أبهى صورها وأجمل معانيها وأرقى أهدافها فليست الصَّناعة المعرفية بدعة حديثة ولا مفهوماً جديداً، بل هو اتجاه مجتمعات قديمة أقامت على ذلك حضارات متتالية حتى أصبحت شبه دائمة وحيَّة وذلك بفعل البنَّاء المعرفي الرّصين الذي انتهجته بصورة دقيقة.
حيث يشهد عصرنا الحالي سباقاً سريعاً ومتواصلاً في ميدان المعرفة ممَّا جعل أسس التَّقدم في مبادئ التكنولوجيا وازدهار الصِّناعات وتطور أدوات التقنية في حياة الأمَّة أصبحت المعرفة أمر سهل وتبقى الصِّناعة المعرفية على ضوء المخزون الفكري هي المحك المباشر.
كما أن الأيَّام القادمة ستشهد تنافساً شديداً في ميدان المعرفة وبذلك يستطيع المرء أن يقول إن مصادر الثروة التقليدية آخذة في التلاشي أمام ثروة المعرفة وليس للأمَّة خيار بعد هذا وذاك إلاَّ خوض غمار المعركة في مجتمع يطمح إلى التقدم التقني والتنمية الصِّناعية في طريق المستقبل إلى الثروة الدائمة حيث إن الصِّناعات العملاق والصادرات المتعدِّدة من قبل الدول الكبرى كانت نتيجة لبنَّاء قاعدة قويَّة من الصِّناعة المعرفية وتبقى الأمور التكاملية رافداً مهَّماً وواقعاً محسوساً من أعمدة الأفكار التي تصنعها التقنية بأياد بيضاء من صناع المعرفة ورواد الفكر.
والله الموفِّقُ والمعين.