د. عبدالحق عزوزي
عقد منذ أيام مؤتمر دولي متنوع في انتماءاته وكفاءاته، بمشاركة علماء وأكاديميين وباحثين جامعيين من داخل المملكة المغربية وخارجها، في إطار الاهتمام الذي توليه رابطة العالم الإسلامي والرابطة المحمدية للعلماء لعالم اليوم الملبد بالصراعات وغيوم الظلام، والتي تتطلب استجلاء أفضل السبل الممكنة لتهيئة المناخ الملائم لبث الإيمان وتجديده في النفوس، وصياغة الأطر الفكرية الرشيدة للتحصين من الأفكار السلبية قصد التعاطي البناء مع هذه المتغيرات.
ونجحت الرابطتان المتميزتان في أشغال هذا المؤتمر القيم، وانبثقت عنه «وثيقة الرباط: الإيمان في عالم متغيّر» وفيها توصيات رائدة بما في ذلك تأسيس هيئة إنسانية إيمانية رائدة تحت مسمّى «المرصد الدولي لدلائل الإيمان ومواجهة الشبهات».
وهاته المؤسسة ستهتم بـ»ترسيخ مبادئ الإيمان وتعزيز قيمها الأخلاقية، مع رصد الشبهات المثارة والأجندات المشبوهة للفوضى التحررية، والعدمية الإلحادية، والعبثية المجتمعية من خلال كتابات مستوعبة، وندوات متخصصة، يُستكتب لها ذوو التميّز والإجادة».
وأضافت الوثيقة، التي تلاها الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الأستاذ أحمد عبادي، خلال الجلسة الختامية للمؤتمر، أن الهيئة ستوظف الوسائل الرقمية والإعلامية الحديثة لإنجاح أهدافها وإيصال رسالتها، وسيُنشر عن أعمالها ومنجزاتها تقرير سنوي باللغتين العربية والإنجليزية، مشيرة إلى أنها ستشكّل «مرجع اهتداء فكري، ومَعْلَم إرشاد إيماني، تُساعد الإنسان على التعامل الأقوم مع المستجدات المتسارعة والمتغيّرات الكبرى في وطنه وعالمه».
وخلال الجلسة العامة الأولى، تحدثت عن مسألة الإلحاد في عالم متغير، وأعطيت مميزات هذا العالم المتغير، فنحن ننتمي اليوم إلى عالم معولم تتغير قواعده بسرعة، ونعيش أكثر من أي وقت مضى تحت سقف واحد؛ ويعرف المتضلعون في العلاقات الدولية أن العالم لم يكن يوما قارا أو ساكنا فانتفض فجأة لا! ولا الكرة الأرضية على ثبات وإذا هي تتحرك فجأة! ولكن العالم يتراءى إلينا وهو يتغير بسرعة كبيرة وبوتيرة أعمق، ولم يستقر على حال يمكن أن يوصف بالديمومة أو الثبات؛ والنتيجة أن الحيرة تصيب المحللين عندما يريدون القيام بتحليل واقعي لنظام إقليمي أو دولي هما في جوهرهما متغيران وانتقاليان على الدوام؛ ويجد المتتبعون أنفسهم أمام محدودية تلك النظريات في مجال العلاقات الدولية التي تذبل قبل جفاف الحبر الذي كتبت به، والأفكار التي تولد ميتة؛ والنتيجة أن رؤية المستقبل صعبة جدا وتحديد معالمها أصعب مما يمكن تصوره؛ والعالم أصبح أكثر ضبابية مع انتهاء الحرب الباردة ونهاية الثنائية القطبية وظهور القوة الاقتصادية المتعددة الأقطاب، وتطور مجال العلاقات العابرة للحدود الوطنية، وهي تشمل أطرافا فاعلين ليسوا دولا، كالمصرفيين الذين يحولون الأموال إلكترونيا، والإرهابيين الذين يتاجرون في الأسلحة، والمتسللين (القراصنة) الذين يهددون الأمن الإلكتروني، والتحديات التي تعد من قبيل الأوبئة...
ثم إن هاته البيئة فيها مظاهر متعددة من الانتماءات الدينية وأخرى إلحادية؛ ومسألة الإلحاد لها تفسيرات عدة؛ وقد توقفت في تدخلي عند بعض التفسيرات النفسية والاقتصادية عند الملحدين الغربيين بناء على بعض الدراسات الجادة؛ فهناك دراسة بعنوان «النمط النفسي للملحد» شملت عدة ملحدين من الذكور الأميركيين، كشفت أن نصف من تبنوا الإلحاد كخيار فقدوا أحد والديهم قبل سن المراهقة، وأن عددًا كبيرًا منهم عانى كثيرًا في طفولته وصباه... كما أن هناك دراسة لإدوارد لارسون في إحدى أبحاثه يؤكد فيها من خلال استقراءات ميدانية أن الأفراد الذين يزيد دخلهم على 150 ألف دولار سنويًا ينتشر بينهم الإلحاد بشكل كبير... والإلحاد مسألة قديمة كما تفضل بذكر ذلك معالي الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين حيث سجل إن «مهاترات الإلحاد قديمة قدم التاريخ الإنساني، خلافا لما يقول به البعض انه ينتشر حاليا أكثر من ذي قبل وهو ناتج عن كشف العلوم الطبيعية لأمور قادت للجدلية الإلحادية».
وأشرت في تدخلي إلى مسألة جديدة، تلك المتعلقة بظاهرة الإلحاد الجديد التي بدأ ينظر لها الغربيون من أمثال ريشارد داورسكين، دانييل دينيث، سام هاريس، كريستوفور هيتشز، فيكتور ستينج وغيرهم. وتواجدهم كبير في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ويجسدون أهدافهم وتوجهاتهم من خلال الأفلام والموسيقى والأفلام الوثائقية؛ وقد حاول أن يتصدى لهاته الإلحادية الجديدة في الدول الغربية رجال دين من أمثال الكاردينال وولتر كاسبر الذي غاضته توجهات الإلحادية الجديدة في بريطانيا.
وهذا أسميه بالإلحاد الجديد العدائي؛ والملحدون الجدد لا ينكرون الإله فحسب ولكن يهاجمون الداعين لإثبات وجود الإله الخالق، الواحد الصمد؛ ثم ما وجدته عند هؤلاء أنهم في بعض البيئات الغربية يزاوجون أفكارهم مع كره الأجانب وخاصة المسلمين منهم، ومن هنا ظاهرة الإسلاموفوبيا، وقد أحلت في تدخلي إلى كتابات الفيلسوف الألماني هابرماس لتبين ذلك.