د.محمد بن عبدالرحمن البشر
جون لويس بروكهارت الرحالة السويسري، سبق وان كتبت عنه، وعن ما كتبه حول مدينة جدة في زمن زيارته لها في عام 1812، وهو عالم اثري ومؤرخ وجيولوجي ورحاله، ورجل استخبارات ولد عام 1884 وتوفي في مصر عام 1917، سمى نفسه عبدالله ابراهيم وأظهر انه مسلم غايته الذهاب إلى مكة للحج، ويبدو انه كان ذكياً وصبوراً وطموحاً أيضاً، لكن فيما يبدو من سيرته، ومما كتبه أنه لم يكن محظوظاً بشكل مطلق، فقد اضطر مرغماً على مغادرة بازل بسويسرا بسبب هجوم الزعيم الفرنسي نابليون بونابرت، فتوجه إلى لندن، مع والدته الانجليزية، والتحق بجامعة كامبريدج، للدراسة، وتفوق فيها ثم انضم إلى جمعية اكتشاف افريقيا، ثم عدل عنها، واستبدلها بالعالم الإسلامي والشرق الأوسط.
في بداية انطلاقته في رحلته إلى الشرق الأوسط المخطط لها، لجمع المعلومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، عانى بعض العقبات، وبعد أن وصل إلى حلب كان عليه أن يتأقلم مع نمط الحياة المشرقية، ونوعية الماء والغذاء، مع المخاطرة الأمنية على حياته، وقد كثرت أمراضه، وعزا ذلك إلى ملوحة الماء وحساسية جسمه له، وهذا اعتقاد قد لا يكون صائباً، وغادر سوريا إلى مصر، وفي مصر أستطاع أن يربط علاقة مع محمد على باشا حاكم مصر، لكنه واجه الكثير من المشاكل، فكانت الشكوك تدور حوله في كونه جاسوساً، وانه متلبس بالإسلام وليس بمسلم، وبعد زيارته للنوبة والسودان أخذت الريبة تدور حول كونه يريد التواصل مع فلول المماليك، كما تعرض لبعض الأمراض، ومع ذلك فقد جمع معلومات كثيرة عن تلك البلاد، وكتب عنها كتباً قيمة.
سافر إلى الحجاز بنية قضاء فريضة الحج، فوصل إلى جدة، وقد كان الطقس حاراً جداً وهو ما لم يتعود عليه، فكان لذلك أثره على صحته، وواجه صعوبة مالية بعد تأخر الحوالة التي كان ينتظرها من بلاده، وفي جدة عرف الكثير عن نمط الحياة والمجتمع الذي كان خليطا من بلاد شتى، وأغلبهم من اليمن والهند ومصر، وهي مركز تجاري هام في ذلك الوقت، وكانت قبل ذلك قد تعرضت لفتحها من قبل الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي يسميهم الوهابيون، كما أنه أيضا تحدث عن غزو محمد علي باشا للحجاز وقاد بنفسه جيشه الغازي، كما صاحب جيشه أثناء توجهه إلى قلب الجزيرة العربية، وكتب عن ذلك كتاباً خاصاً.
ذهب إلى مكة المكرمة وواجه فيها مشاكل جمة على رأسها المرض، الذي أضعفه، وقد عانى من لبس الإحرام، وأيضاً صعوبة وجود السكن في موسم الحج الذي يزيد فيه العدد بشكل كبير، ويذكر أن أهل مكة كانوا يرددون أن الله قد حمى أهل مكة من مرض الطاعون الذي أصاب العالم عدة مرات، وذلك بسبب قدسيتها، لكنهم أصيبوا به فيما بعد، وذهب سدس السكان، وأصيب بأمراض شتى منها الزحار والحمى، وكذلك ومشاكل مع القاضي، وغيرها كثير.
في طريقه إلى ينبع تكالبت عليه الأمراض، وأخذ الاكتئاب يتسلل إلى نفسه، وربما أنه أصبح يفكر لو أنه لم يقدم إلى هنا، وعاش في بلده مثل أقرانه، وعاد إلى مصر التي قدم منها وعاش هناك ما شاء الله له أن يعيش، وشارك في بعض الأحداث، وداهمه الطاعون فمات شاباً في الثالثة والثلاثين من عمره، ودفن هناك.