د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
حاول المهتمون بالتصحيح اللغوي التنبيه إلى خطأ استعمال الكاف في مثل (أنا كباحث) متابعة للترجمة الحرفية عن الإنجليزية as واستعملوا في موضعها قولهم بصفتي أو بوصفي، ولكن المشكلة أن صنيعهم هذا لا أصل له، ويهب الجملة ثقلًا لا يلائم ما عرف عن هذه اللغة الشريفة من جمال سبك. أما استعمال الكاف فاختلف المصححون المحدثون فمنهم من قبلها ومنهم من توقف فيها، قال بكر الغيهب عن (كمسلم): «في (معجم الأخطاء الشائعة) ص/ 268: أن الكاف هنا للتمثيل بما لا مثيل له، وتسمى كاف الاستقصاء. والمعنى: بصفته مسلمًا، أو: بكونه مسلمًا. والعدناني صاحب هذا المعجم يتابع داغرًا في كتابه: (تذكرة الكاتب ص/ 33). وقد أجاز مجمع اللغة العربية بمصر هذا الأسلوب، لكنه اضطرب في شأن هذه الكاف: هل هي للتشبيه، أو للتعليل، أو زائدة؛ ولكن المحققين من أهل اللغة لا يرتضون هذا الأُسلوب، ويرونه مولدًا حادثًا عن الأُسلوب الإفرانجي فهو تقليد له. وأنه لا يوجد لدى النحاة ما يسمى بكاف الاستقصاء، ولا في الأدب العربي القديم، قرر ذلك جماعات منهم: الأُستاذ النجار في: محاضرات عن الأخطاء الشائعة 2/ 43، والأُستاذ رمضان عبد التواب في كتابه: لحن العامة ص / 344. والشيخ تقي الدين الهلالي- رحمه الله تعالى- يسمى هذه الكاف: (الكاف الاستعمارية)»(1).
وذكر أستاذنا أحمد مختار عمر في غير موضع من (معجم الصواب اللغوي) هذا الاستعمال، قال تعليقًا على جملة (أَنَا كباحث أقرّ هذا الرأي) بعد أن وصفه بالصحيح «يمكن تخريج التعبير المرفوض وأمثاله من عدة أوجه، أهمها أن الكاف زائدة، كما في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [11-الشورى]، أو على التشبيه حين يكون المشبه به أعمّ من أن يُراد به المشبه نفسه، والتقدير: أنا كشخص باحث، أو على اعتبار الكاف اسمية بمعنى «مثل»، مع نصبها على الحالية. وقد وافق مجمع اللغة المصري -في دورته الثانية والأربعين- على التعبير المرفوض بناء على الوجهين الأول والثاني من التخريجات المذكورة»(2). وليست المسوغات المذكورة مقنعة.
وطريقة العربية في مثل هذا الموضع أن تستعمل الاختصاص، فيقال (أنا، الباحثَ، أقرّ هذا الرأي) أو (أنا أيّها الباحثُ أقرّ هذا الرأي).
قال المبرد «قَوْلك: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيَّتُها الْعِصَابَة، فأجروا حرف النداء على الْعِصَابَة وَلَيْسَت مدعوة؛ لِأَن فِيهَا الِاخْتِصَاص الذى في النداء، وَإِنَّمَا حق النداء أن تعطف بِهِ الْمُخَاطب عَلَيْك، ثمَّ تخبره، أَو تَأمره، أَو تسأله، أَو غير ذَلِك مِمَّا توقعه إِلَيْهِ، فَهُوَ مُخْتَصّ من غَيره في قَوْلك: يَا زيدُ، وَيَا رجالُ، فَإِذا قلت: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا أيَّتُها الْعِصَابَة فَأَنت لم تدْعُ الْعِصَابَة، وَلَكِنَّك اختصصتها من غَيرهَا؛ كَمَا تخْتَص الْمَدْعُو، فَجرى عَلَيْهَا اسْم النداء، أعنى (أيَّتُها)»(3).
وقال ابن مالك «ومن ذلك ورودُ الاختصاصِ بصورةِ النداء كقولهم: (اللَّهُمَّ اغفرْ لنا أيَّتُها العِصابة). و(نحنُ، معاشِرَ الأنبياءِ، لا نُورَث)، و(أنا، أيُّها الفتى، أفعَل كذا) ومرادُ الناطق بـ(أيُّها الفتى) نفسَه، ومرادُ الناطق بـ(أيَّتُها العصابة) نفسَه وعشيرتَه. ولم يقع المختصُّ مبنيًّا إلا بلفظ (أيُّها) و(أيَّتُها). وإنما وقع منصوبًا مضافًا، أو معرَّفًا بالألف واللام نحو: (نحنُ، معشرَ الصعاليك، لا قوةَ بنا على المروءة) و(نحنُ، العُرْبَ، أقرى الناسِ للضيف»(4).
والطريف أن هذا الأسلوب من الاختصاص مستعمل في بعض لغاتنا المحكية، مثل قولهم «(أنا يا محاكيك ما عندي خبر. ويقولون: خطب رجل بنت زيد لكنه ما وافق، أنت يا زيد، علشان ولد أخوه يبيَهْ).
ولذا لا بأس أن يقال (أنا، يا باحثُ، أُقِرُّ هذا الرأي) أو (أنا، الباحثُ، أُقِرُّ هذا الرأي).
**__**__**__**__**__**
(1) معجم المناهي اللفظية لبكر الغيهب، ص: 452.
(2)معجم الصواب اللغوي لأحمد مختار عمر، 1/ 615.
(3) المقتضب للمبرد، 3/ 298.
(4) شرح الكافية الشافية، 3/ 1374.