أ.د.صالح معيض الغامدي
سألني أحد المهتمين بالسيرة الذاتية عن إمكانية كتابة سيرة ذاتية مشتركة لشخصين، وقد فكرت في هذا الموضوع ووجدت أن هذا الأمر يبدو ممكنا من حيث المبدأ، فنحن نعلم أن التأليف المشترك ظاهرة موجودة في كثير من الأجناس الأدبية وغير الأدبية، وللأستاذة الدكتورة كوثر القاضي بحث قيم جميل حول هذا الموضوع بعنوان « التأليف المشترك، دوافعه ومنطلقاته: قراءة في نماذج من الأدب العربي والسعودي الحديث». لكن وجودها في السيرة الذاتية أمر مثير للاهتمام والتعجب ربما.
ولعل من المناسب هنا تعريف السيرة الذاتية الثنائية أوالمزدوجة التأليف بأنها: نص سردي استرجاعي يعرض قصص حياة شخصين ووجهة نظرهما حول ثيمات حياتية ّمتنوعة، وعادةً ما يتشارك مؤلفا هذه السيرة في تواصل شخصي أو مهني.، ويسهم كل منهما في سرد قصصهما، وتقديم تجاربهما الحياتية ورؤاهما الفريدة المتنوعة. ويتيح هذا العمل السيرذاتي المشترك للقراء اكتساب فهم أعمق للأفراد المعنيين ولعلاقاتهما من وجهات نظر متعددة. كما يمكن أن تقدم السير الذاتية المزدوجة التأليف سردًا ثريا ومعمقا ومتعدد الأوجه يكون من شأنه استكشاف العلاقات والتجارب الإنسانية المعقدة.
وقد وجدت السيرة الذاتية الثنائية التأليف في الغرب، ومن أشهرنماذجها السيرة الذاتية التي كتبها الكاتب والمؤرخ والفيلسوف الأمريكي وِل دورنت وزوجته إيريل دورنت بعنوان « سيرة ذاتية ثنائية»، 1977م، وقد اشترك كل واحد منهما في كتابة بعض فصول هذه السيرة؛ وكذلك السيرة الذاتية المشتركة التي كتبتها كريستينا فو بالاشتراك مع والدها نغيا إم فو بعنوان « فيتنامي، وفيتنامك» 2024م، حول علاقتهما بفيتنام الموطن الأصلي لوالدها قبل أن يهرب إلى أمريكا بعد الحرب حيث ستولد ابنته لاحقا.، وهناك سيرة ذاتية مشتركة لطبيب نفسي أمريكي هو الدكتور إيرفين يالوم مع زوجته مارلين يالوم، بعنوان « مسألة موت وحياة» 2021م، ( مترجمة إلى العربية) التي وصفها فرانك أوستاسكي بأنها « ذكريات جميلة ودرب للاكتشاف في آن معاً. أستاذان بارزان، ومؤلفان، وشريكان طوال حياتهما، يواجهان الشيخوخة والهشاشة والموت. من خلال الالتقاء بصدق مع هشاشة الحياة، يصلان إلى تقدير أعمق لنفاسة الحياة وقيمتها».
أما في العربية فلا يحضرني حقيقة الآن أي نموذج لهذا النوع من السير الذاتية، وإن كنت فيما أظن قد وقفت على سيرة ذاتية مشتركة واحدة، لم أعد أذكرها، ولعلي أكون في هذا واهما. ولعل بعض القراء الكرام يستطيع إفادتنا بمعلومات حول ببعض النماذج العرببة لهذا النوع من السير إن وجدت.
وأهم ما يميز هذه التجارب الغربية، التي اطلعت عليها وقرأت عنها سريعا، أن كل كاتب من كتاب هذه السير كان في الغالب يعمل بمفرده، ويقوم بكتابة بعض الفصول ويترك لشريكه أو شريكته كتابة الفصول الأخرى. ولذلك بدت هذه السير الذاتية لبعض النقاد والقراء غير منسجمة تماما يشوبها كثير من التفكك رغم اعتراف النقاد والقراء بأهمية العملية التشاركية في التأليف السيرذاتي وطرافته من عدة أوجه.
ومن الملاحظ على هذه التجارب أيضا أن كاتبي كل سيرة ذاتية مشتركة تربطهما علاقة أسرية قوية، فهما إما زوجان، أو ابنة مع أبيها. ولذلك تكون العلاقات القرابية مهمة جدا في إنجاح هذا النوع من السير لمن يروم كتابته في العربية. والقرابة هنا لا تقتصر في ظني على القرابة الأسرية فقط، بل يمكن أن تمتد لتشمل الأصدقاء والزملاء وغيرهم ممن تكون صلاتهم قوية، أيا كان نوعها.
ولعل نجاح هذا النوع من السيرالذاتية مرهون بتوفر بعض الشروط؛ التي ذكرت كريستين فو بعضها، مثل:
1- وجود علاقة قرابية بين الكاتبين سواء أكانت علاقة أسرية أو مهنية أو غيرها، كما أشرنا.
2- الإشتراك في الاهتمام بعدة ثيمات حياتية، مثل حب المكان / الوطن، الأسرة، التحول … إلى آخره.
3- أن يكون صوت كل مؤلف من المؤلفين مكملا للآخر، وليس مناقضا له، كمراعاة الاختلاف العمري أو الجيلي مثلا عند الكتابة.
4- أن يكون هناك تقارب (وليس بالضرورة تطابق) في الأفكار والمواقف والرؤى والتصورات الحياتية.
5- أن يكون الكاتبان مستعدين لموجهة بعض التحديات من أجل التوفيق بين مواقفهما الحياتية المتنوعة، أو على الأقل يبديان تفهما لمواقف بعضهما أثناء الكتابة.
6- أن يشترك الكاتبان في تحديد البنية التي ستخرج بها السيرة الذاتبة في نسختها النهائية.
7- غالبا ما يكون البناء الثيمي أو الموضوعي هو البناء المناسب لهذا النوع من السيرالذاتبة وليس البناء التاريخي التدرجي، وبخاصة إذا ما اختلف جنس الكاتبين، اقصد ذكر/ أنثى.، وجيليهما.
وربما يرى بعض النقاد والقراء إضافة اشترطات أخرى يرونها مهمة لإنتاج سيرة ذاتية مشتركة جيدة.
وختاما، أشكر هذا السائل المبدع على طرح هذا السؤال المهم الذي أتاح لنا فرصة التفكير فيه والحديث عنه، وربما يكون هذا السائل قد فكر في كتابة سيرة ذاتية مشتركة، من يدري؟!!