سهام القحطاني
عندما نتحدث عن ظلال الافتراءات التي أحاطت بالسيرة الذاتية للسيدة سُكينة بنت الحسين، فيجب أن لا نفصل تلك الافتراءات عن افتراءات أخرى أحاطت بالبيئة الحجازية في عهدها والتي كانت حاضنة للصحابة والتابعين والتي اُتهمت بالغناء و المجون.
وكأن هذه السردية التاريخية تتفق ضمنيا في التشكيك بتقوى تلك البيئة مصدر الإسلام الصحيح، ولتأكيد تلك السردية المحاطة بشبهة التلفيق،كان لابد من نموذج يؤكد على صدقية تلك السرديّة، وهنا صنع كتّاب التاريخ المحسوبون على أيديولوجية خاصة «نموذجا لسيرة ذاتية للسيدة سٌكينة» غير حقيقية حتى تتسق مع الافتراءات التي طالت البيئة الحجازية متمثلة في شخصية تمثل أسرة ذات رمزيّة من حيث النسب و الاستحقاق و القضية.
التاريخ ليس معادلا بالضرورة للحقيقة؛ ولذا فليس كل ما يذكره التاريخ هي حقائق وخاصة تلك التي تتعلق بالسير الذاتية، وقد أحاط بعض كتب «أخبار أهل الأدب» شبهات التلفيق وعدم تحري الدقة و النقل من الحكي الشعبي المصاحب بدلالات موجهة نجو أيديولوجية ما.
كما أن كثيرا من السير الذاتية بُنيت وفق الروايات وليس الاستقصاء المنهجي وهو ما يجعل تلك السير في مرمى الشك.
ولدت السيدة «سُكينة» وكان مقدرا لها ألم الفراق في كل لحظة، فقد ولدت و الألم يحيط بأسرتها بعد مقتل جدها الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بسبع سنوات،وكانت في الرابعة عشرة من عمرها عندما استشهد والدها الإمام الحسين مع أخيها في معركة كربلاء،و بذلك نشأت في أسرة مناضلة صاحبة قضية استشهد في سبيلها جدها وعمها و أبوها وأخوها.
ترعرعت السيدة سُكينة في الحجاز،هو ما سهّل عليها صقل موهبتها الأدبية،أضف إلى ذلك أن زمن السيدة سكينة بدأ دور المرأة العربية المسلمة في الحجاز في الظهور الاجتماعي.
ولخصوصية النسب التي كانت تحظى بها السيدة سكينة مع ما اشتهرت به من جمال و ثقافة كانت «الشخصية النسوية الأولى في الحجاز» المصدر: سكينة بنت الحسين،عائشة عبدالرحمن».
واتسع أفق هذه المكانة بحيث كوّنت فضاء لكل غلو خُلط بباطل، فزعمت الروايات التاريخية بأن السيدة سكينة اتصفت بالانفتاح الفكري وهو انفتاح جعلها تخالط الشعراء و تستعرض أناقتها و جمالها، وهو ما جعلها «فتاة أحلام كل شباب قريش».
وهذا النسق السردي غير منطقي للمرأة المسلمة الحجازية في فترة زمنية غير بعيدة بالعهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن!
وهو ما يدفعنا إلى القول أن هذه المنقولات غير صحيحة وأن المقصد بها الطعن في شخصية السيدة سُكينة كرمز لخصوصية النسب و القضية.
وما يؤكد ذلك هو وصف الحسين لابنته سُكينة بأنها « غلب عليها الاستغراق مع الله»،وهذا الوصف يتناقض مع ما شاع عن مظهر و سلوك السيدة سٌكينة.
والتناقض هو حامل للشك لمصداقية الرواية التاريخيّة، وهو ما يجعلنا نحيط بكل ما قيل عن السيدة سُكينة عن سلوكها وفكرها الانفتاحيّ بالشك في مصداقيته.
ولم تقف الافتراءات حول السيدة سُكينة هنا بل زعمت الروايات التاريخية أن علاقة عاطفية ربطت بينها وبين عمرو بن أبي ربيعة، الذي كان «دنجوان عصره» فلم يترك امرأة جميلة إلا تغزل بها.
وقد نسبت له أبيات قالها في السيدة سكينة مطلعها:
قالت سكينة و الدموع ذوارف**منها على الخدين و الجلباب.
و القصيدة أصلها في «سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف» وليست في سُكينة بنت الحسين،وقد غيّر المغنون «سعدى إلى سُكينة» كما يقول الأصفهاني.
ومن الافتراءات التي طالت السيدة سُكينة «فرية المرأة المزواجة حينا والمرأة الشؤم الذي لا يعيش لها زوج» حينا آخر وتسولها على أبواب خلفاء بني أمية.
ويظل «المجلس الأدبي للسيدة سكينة يترجح ما بين الحقيقة أو افتراء يُضاف إلى الافتراءات السابقة» فجلّ رواياته كان مصدرها كتاب الأغاني.
وكان اجتماعها بالأدباء من وراء ستار وهو ما يؤكد على شخصية سكينة «المحافظة «وليس المنفتحة.
ومن نافلة القول أن السيدة سُكينة لم تكن محسوبة على أي طائفة دينية، بل ولدت و ترعرعت و توفت وهي على منهج النبوة الصافي ومنهج الخلفاء الراشدين.
هل يُمكن اعتبار السيدة سُكينة «أيقونة الاتجاه النسويّ في تاريخ المرأة العربية المسلمة».؟
وإجابة هذا السؤال إشكاليّة في ذاته وهو مجال لحديث مختلف.
وستظل السيرة التاريخية للسيدة سُكينة بنت الحسين قليلا من الحقيقة وكثيرا من الافتراءات، والذي اسهم في تعزيزها العديد من مؤرخي العرب في العصر الحديث.