سهم بن ضاوي الدعجاني
إن «الوفاء» لأهل الثقافة والفكر والأدب هو بناء لذاكرة الوطن من خلال منح «هؤلاء» الوطنيين، حقهم من «الرمزية» ليأخذوا طريقهم المستحق إلى الخلود في ذاكرة الأجيال كما يأخذ نتاجهم الفكري طريقه المستحق إلى المكتبة السعودية، ونحن في عهد خادم الحرمين الشريفين سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز أيده الله، سيد الوفاء، وعاشق التاريخ، وجليس المثقفين، وصديق الإعلاميين، فالكل يعرف قصص وفائه -أيده الله- مع اخوته الملوك، رحمهم الله جميعا، كما نعرف جميعا محبته للمثقفين والصحفيين فكم دعم وشجع وساند الكثيرين من الصحفيين والكتّاب.
يقول الفقيد الأستاذ محمد الشدّي رحمه الله عن الملك سلمان: بأن الملك سلمان شمله باهتمامه في وقت عمله الصحفي وبعده، ويذكر أن الملك عندما زار هذه المؤسسة الصحفية العريقة بعد أن ترك الفقيد رئاسة تحرير اليمامة، قال عنه الملك: «كان لي بينكم صديق، كان له دور في الصحافة الحديثة في الرياض»، وهنا تذكرت تأسيس مؤسسة حمد الجاسر الثقافية التي باركها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قبل ربع قرن، وهي شكل من أشكال الوفاء للمفكرين والمثقفين السعوديين.
الفقيد الراحل الشدي الذي يعد من رموز الثقافة والصحافة في بلادنا والذي قال عن نفسه رحمه الله: «لقد كان في بيتنا مكان للكلمة منذ القدم، فوالدي طالب علم ومعلم ومن هنا كانت البداية وبدأت هذه البذرة تنمو، فاخترت أنا وأخي مادة صحفية وأدبية وأبيات شعرية، وهي مادة مشابهة لتلك التي كانت تنشر في صحف الحائط، ثم كتبنا هذه المواد على قطعة كبيرة بيضاء من الكرتون المقوى قسمناها الى حقول وزخرفنا جوانبها بالألوان والرسوم وعلقناها في المجلس في بيتنا بالرياض، بمحله (القرينين) وحدث ان زارنا جار لنا وقريب اسمه سالم بن نوح فاطلع على هذه الصحيفة وأعجب بها وبمادتها، فقال لوالدي رحمه الله ان اولادك سوف يصبحون من الكتاب او الصحفيين في يوم من الأيام» (هذا الكلام كتبه الفقيد في شعبان عام 1428 قبل 17 سنه) في «الجزيرة الثقافية» في زاويته «حكايات» التي استمرت أكثر من خمس سنوات حسب علمي.
عناوين «حكايات»
على سفح التوباد، قطرات من سحائب الذكرى، العولمة والمتعولمون، (كركرة) تجسد الضحك والبكاء، الكتاب ومسؤولية النشر، الطبيبة: راعية الغنم ،أين نحن من الطفل، الخوف من المجهول، لا تغضب: كتابك لا يستحق القراءة، من هو المثقف وما هو دوره؟، قراءات في عيون أبها.
المتأمل في كتابات الفقيد يجد فيها روح الكاتب الوطني المتجدد المسكون والمهموم بهموم التنمية وكاتب قصة قصيرة ومسرحية وبعض كتاباته وجدانيات، لكنه يقول عن نفسه: «وعرفت أن مجالي الحقيقي هو مجال الصحافة».
الصحافة بالحب
كتب الشدي في افتتاحية مجلة التوباد العدد (15 ) في عام 1413هـ: «يقولون في البدء كانت الكلمة.. وأقول إن الكلمة ليست شيئا بدون الحب والتعاون وبدون العزيمة والطموح.. بالحب تتشكل الكلمة وبالعزيمة والطموح تصبح شيئا واقعا ملموسا وفكرا وأجبا تصبح بحثا.. وقصة وقصيدة شعر وسياسة أيضا»، هكذا الشدي كان يدير مسؤولياته في كل مواقعه الثقافية بالحب.
الشدي صاحب دار
الشاعرة والكاتبة د. فوزية أبو خالد تصور تجربتها مع الفقيد: «لم يكن محمد الشدي ضيفاً على الصحافة، بل كان صاحب دار حفي بحبها، فلم يأت إلى الصحافة من فراغ، فقد كان تلميذاً لوالده الشغوف بالكتب والصحف في مجال علوم الأصول والمعرفة الحديثة على شح مصادرها في ذلك الزمن البعيد، وكيف لي أن أكتب عن إنسان عرفته عن بعد منذ نعومة قلمي فكان سمتا حييا مستنيرا سخيا ضيفا ومضيفا؟ كيف أكتب عن ذي قلم رسمي في اتزان وخُلق كريم في إسراف وطموح صحفي مبكر في زمانه؟».
وقفات وفاء:
* الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير هذه الصحيفة يرسم زاوية من شخصية الشدي من خلال تجربته الشخصية معه: «إن محمد الشدي كانت له بصمات وإنجازات وتاريخ لا يمكن لمؤرِّخ للصحافة في المملكة أن يتجاهلها، فقد أمضى شبابه المبكِّر وسنين عمره المتقدِّم في خدمة الصحافة، وكرَّس وقته وحياته وقدراته الصحفية في زمن كانت الصحافة تحتاج إلى مثل خدماته، ولا تستغني عن مواهبه، في زمن كان عدد الصحفيين من السعوديين محدوداً، وعندما تسلم اليمامة كانت مرحلة تطور بين شكلها في هذا الوقت كصحيفة، والرؤية لجعلها مجلة أسبوعية ملونة، تضم كبار الكتاب، إضافة إلى اهتمام بالأدب بكل فروعه، ومتابعة منه لما كان يشكِّله من رافد أساسي في تقديم صحافة للنخبة، لكنه ضمن تنوّع اهتماماته ركَّز على الرياضة والفن، وهيأ لها مساحات واسعة في مجلة اليمامة حين كان رئيساً لتحريرها».
* ويسجل الدكتور عبدالواحد الحميد شهادة للتأريخ: «لقد استطاع محمد الشدي أن يقدم مادة محلية جاذبة من خلال التحقيقات والتقارير والمقابلات والمقالات التي تميزت بها اليمامة عن المجلات التي تأتينا من الخارج، فكانت اليمامة مادة صحفية وثقافية أساسية للكثير من القراء في مختلف مناطق المملكة، وما زلت أتذكر كيف كنا في الجوف ننتظر وصولها كل أسبوع، وكانت عيون الكثيرين من أبناء جيلي قد تفتحت للتو على القراءة ومتابعة الإصدارات الصحفية والثقافية، والأجيال الجديدة، في تلك الفترة تعرفت من خلال اليمامة على أعلام مثل عزيز ضياء، وعبدالعزيز الرفاعي، وعبدالله الوهيبي، وسعد البواردي، وغالب حمزة أبو الفرج، وسليمان السليم، وعبدالله القرعاوي، وعلوي طه الصافي، وعبدالله الشهيل، وأجيال من الشعراء والقاصين مثل أحمد الصالح (مسافر)، وعلي الدميني، وحسين علي حسين، وجارالله الحميد، وعبدالله باخشوين، وأقلام نسائية مثل خيرية السقاف، وحصة محمد التويجري، ونورة الشملان، وفوزية أبو خالد، وأسماء أخرى كثيرة».