تغريد إبراهيم الطاسان
تشهد المملكة العربية السعودية تحولات استراتيجية هامة ضمن رؤية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث تولي المملكة اهتمامًا بالغًا بتعزيز الاستثمارات في الإنسان، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
ومن بين المبادرات العالمية التي تندرج ضمن هذه الرؤية، تأتي مبادرتا سمو ولي العهد العالميتين المعنيتين بحماية الطفل في الفضاء السيبراني وتمكين المرأة في مجال الأمن السيبراني.
وقد أشاد مجلس الوزراء مؤخرًا بهذه المبادرات التي تعكس حرص المملكة على تعزيز الأمان الرقمي وتمكين الفئات المستهدفة من اكتساب المهارات اللازمة للتفاعل مع هذا القطاع المتطور.
تأتي هذه المبادرات استجابة للتحديات المتزايدة التي تواجه المجتمعات في العالم الرقمي، حيث بات من الضروري توفير بيئات آمنة للأطفال وضمان قدرة النساء على المشاركة بفعالية في مجالات الأمن السيبراني.
وفي ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا واعتماد الأطفال على الإنترنت منذ سن مبكرة، أصبح من الضروري أن تكون هناك سياسات وإجراءات لحمايتهم من المخاطر المحتملة في الفضاء السيبراني.
إن مبادرة سمو ولي العهد لحماية الطفل في الفضاء السيبراني تهدف إلى تعزيز الوعي بهذه المخاطر ووضع أطر وآليات للتعامل معها بشكل فعال. المبادرة تعكس التزام المملكة بتوفير بيئة آمنة للأطفال على الإنترنت، وتمكين الآباء والمعلمين من توجيه الأطفال وحمايتهم من المخاطر الإلكترونية، مثل الاستغلال والابتزاز والتهديدات الأمنية التي قد تؤثر على سلامتهم النفسية والجسدية.
كما تعمل هذه المبادرة على إشراك المؤسسات التعليمية والمجتمعية في بناء برامج توعية تُعنى بحماية الأطفال، بالإضافة إلى تطوير حلول تقنية تساهم في منع الوصول إلى المحتويات غير الملائمة ومراقبة الأنشطة التي قد تكون مصدر خطر للأطفال.
ولذلك ومن خلال هذه الجهود، تسعى المملكة إلى أن تكون في طليعة الدول التي تقدم الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات السيبرانية التي تواجه الفئات الأكثر عرضة للخطر.
وفي المقابل، تؤدي مبادرة حماية الطفل في الفضاء السيبراني إلى زيادة الحاجة إلى خبراء في مجالات حماية الأطفال الرقمية والتعامل مع التهديدات السيبرانية التي تستهدف الفئات العمرية الصغيرة.
هذه المبادرة تخلق فرصًا جديدة لتوظيف خبراء في تطوير البرمجيات والأدوات التقنية التي تساعد في مراقبة وحماية الأنشطة الرقمية للأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلب هذه المبادرة خبراء في المجالات القانونية والنفسية والاجتماعية للمساهمة في وضع السياسات والأنظمة التي تدعم حماية الأطفال في العالم الرقمي.
وبالإضافة إلى حماية الطفل، تأتي مبادرة تمكين المرأة في مجال الأمن السيبراني كجزء من استراتيجية المملكة لدعم المرأة وتوسيع دورها في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع التقني. في ظل التزايد المستمر للتحديات الأمنية في الفضاء السيبراني، أصبح من الضروري توسيع دائرة الكفاءات القادرة على التعامل مع هذه التحديات، وهذا يشمل دعم النساء ومنحهن الفرص لتطوير مهاراتهن والمساهمة في حماية الاقتصاد والمجتمع.
تسعى مبادرة تمكين المرأة في مجال الأمن السيبراني إلى تعزيز مشاركة المرأة في هذا القطاع، من خلال توفير برامج تدريبية وتوجيهية متخصصة، وتشجيع الشركات والمؤسسات على توفير فرص وظيفية للنساء في مجالات الأمن السيبراني.
هذه المبادرة تعكس رؤية المملكة التي تسعى لتحقيق التكافؤ بين الجنسين وتوسيع فرص العمل للمرأة، وهو ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي.
تأتي هاتان المبادرتان ضمن إطار أوسع من جهود المملكة للاستثمار في الإنسان، وهو ما يعتبر أحد أهم أركان رؤية 2030. ويدرك صناع القرار في المملكة أهمية الاستثمار في قطاع الأمن السيبراني بوصفه قطاعًا حيويًا يدعم نمو الاقتصادات وتطور المجتمعات واستقرار الدول، مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والإنترنت في جميع مجالات الحياة، بات الأمن السيبراني يشكل جزءًا أساسيًا من منظومة الأمن الوطني والاقتصادي.
ومن خلال المبادرات، يتم تشجيع ريادة الأعمال في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني، مما يتيح للمزيد من النساء والشباب دخول السوق عبر إنشاء شركات ناشئة تقدم حلولاً مبتكرة لحماية الأطفال سيبرانيًا أو تعزيز الأمن الرقمي. هذه البيئة المحفزة تسهم في خلق فرص وظيفية جديدة ليست فقط داخل الشركات الكبيرة، ولكن أيضًا في المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا مهمًا في تنمية الاقتصاد الوطني.
باختصار، تسهم مبادرتا سمو ولي العهد في خلق بيئة مواتية لتوظيف الكفاءات المحلية في قطاع الأمن السيبراني، سواء عبر تعزيز مشاركة المرأة أو تطوير برامج حماية الأطفال.
من خلال هاتين المبادرتين، يتم تعزيز المهارات الرقمية المطلوبة للتوظيف في القطاعات الحيوية، مما يساهم في تحقيق تطلعات المملكة نحو اقتصاد متنوع ومستدام.
في الختام، تعكس مبادرات سمو ولي العهد التزام المملكة بمواكبة التطورات العالمية واستباق التحديات المستقبلية من خلال حماية الطفل في الفضاء السيبراني، وتمكين المرأة في هذا المجال، تسهم المملكة في بناء مجتمع رقمي آمن ومستدام يمكّن جميع فئاته من المشاركة الفعالة في تطويره.