محمد سليمان العنقري
منذ قيام كيان دولة الاحتلال قبل حوالي سبعين عاماً خاضت الدول العربية المحاذية لها عدة حروب ضدها لم تحقق هدف الشعارات التي اطلقت قبل بدايتها بتحرير فلسطين من النهر للبحر، بل خسرت الدول التي خاضت حروب معها اراضي لم يتم استعادتها باستثناء مصر اعادت سيناء عبر التفاوض وباتفاقية كامب ديفيد عندما راى الرئيس المصري الراحل انور السادات انه عمليا يحارب اميركا، ولذلك اقام حربا حقق اهدافا مهمة فيها أعادت الروح المعنوية والثقة لمصر شعباً وجيشاً بعد نكسة 1967 ودخل بعدها بمفاوضات اتفاقية السلام، ولكن بالمحصلة رغم كل الحروب والتحركات العربية للتيارات القومية الحاكمة لدول الطوق ضد اسرائيل إلا أنها لم تتأثر وعززت من قوتها العسكرية والاقتصادية بدعم غربي، واميركي تحديداً، لاحدود له بل ويزداد سنوياً وبتفوق في ميزان القوة غير التقليدية من خلال امتلاكها للسلاح النووي.
لكن وبعد هذه العقود من مواجهة هذا الاحتلال الغاشم والذي جربت فيه دول الطوق والتي تبنت الافكار القومية بدون خطة عمل لمشروع حقيقي متكامل والتي في المحصلة تحولت لدول تعاني إما من أزمات اقتصادية، أو فوضى تعيشها منذ حوالي ثلاثة عشر عاماً نتيجة غياب الواقعية في توجهاتها عامةً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن هزيمة إسرائيل وإجبارها على الاعتراف بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية فالمهم هو قلب موازين التاثير بالمنطقة، فالوصول لهذا الهدف لا يمكن أن يتم إلا من خلال الواقعية السياسية القائمة على معرفة ما يدور في العالم وتوجهات السياسة الدولية وحسابات المصالح عالمياً، وهذا ما انتهجته دول الخليج العربي تحديداً من خلال استثمار إمكانياتها بكفاءة عالية وباقامة علاقات دولية واسعة مبنية على الثقة والشراكات الاقتصادية والتجارية وبإطلاق خطط استراتيجية تنموية وضعت دول الخليج في مصاف الدول المتقدمة بخدماتها واسثماراتها في بنيتها التحتية وأنظمتها وتشريعاتها الجاذبة للمستثمرين؛ فالنموذج الخليجي يحتذى به وجدير بذلك حيث ركز على استثمار كل الإمكانيات وتأهيل عال لرأس المال البشري وانعكاس كبير على التنمية البشرية.
ان النموذج التنموي الخليجي هو الأفضل في المنطقة ويمكن الاستفادة منه لحرق المراحل في التغيير المطلوب لباقي دول الشرق الأوسط، والعربية تحديداً، ممن تمتلك إمكانيات كبيرة ولكنها تفتقر لخطط واضحة لتطوير اقتصاداتها، أو تلك التي تعاني من الفوضى وتحتاج لإطلاق مشروع يعيد الاستقرار لها، ومن ثم إعادة البناء فالتوجه العام لخطط تنموية والتركيز عليها مع وضع أقدامهم في القرن الواحد والعشرين، كما فعلت دول الخليج سيساهم بنهضة الدول العربية التي تعاني ضعفاً تنموياً كبيراً وسيحول المنطقة لقوة اقتصادية دولية تعتمد في تنميتها على نفسها بتجارة بينية واسعة واستثمارات كبيرة متبادلة وشراكات ضخمة؛ فالامكانيات كبيرة بالثروات الطبيعية والبشرية والموقع الجغرافي المتوسط في العالم وارتفاع نسبة الشباب ووجود قوى عاملة كبيرة واسواق جاذبة، كل هذه العوامل تؤكد أن التوجه للتنمية الاقتصادية والبشرية والقراءة الواقعية لما يدور في العالم وكيف تتشكل الاقطاب وماهي التوجهات الفكرية والتكنولوجية الحالية والقادمة وامتلاك التقنية من خلال التركيز على البحث العلمي هي السبيل لبناء قوة عربية كبيرة اقتصادياً ومؤثرة عالمياً.
يبلغ حجم الناتج الاجمالي العربي قرابة ثلاثة تريليونات دولار حوالي 70 بالمائة منه يأتي من دول الخليج و30 بالمائة منه تنتجه السعودية اي ستة دول عربية تحقق جل الناتج الاجمالي للوطن العربي الذي يصل عدد دوله الى 22 دولة بينما نجد ان دول الاتحاد الاوروبي كتكتل يضم دولا عددها يزيد قليلاً عن الدول العربية، لكن ناتجها يفوق 16 تريليون دولار، وأيضا دول اميركا اللاتينية يصل ناتجها لقرابة 6 تريليونات دولار فالامكانيات بالعالم العربي أكبر، لكن تحتاج لتفعيل وأن تاخذ بالنموذج التنموي الخليجي الاقرب لها حتى تنطلق باقتصاداتها بخطط واقعية ومدروسة ومتكاملة الاركان وبذلك فقط سيكون الموقف العربي قويا جداً عالمياً ومؤثراً لتداخله العميق مع الاقتصاد العالمي، والذي سيعني بالضرورة ترجيح مصالح الغرب والشرق مع العرب عموماً بأكبر من إسرائيل ودورها الذي يخدم الغرب حالياً.