هناء الحمراني
تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي، والذي يعد تقنية حديثة ذات إمكانات عالية مقارنة بما سبقها من التقنيات، في أن له قدرة على التعامل مع البيانات مهما كان حجمها، مما يسرع في عملية اتخاذ القرارات، فضلًا عن دوره في تسهيل إنجاز المهام، واختصار الوقت، ومعالجة النقص الناتج في الأيدي العاملة، والسماح للأفراد بتحسين حياتهم المهنية ومستوى دخلهم عند ترك المهام الروتينية لها، والتركيز على مهام أكثر تعقيدًا كالتفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
وبدون تقنية الذكاء الاصطناعي، فإن البيانات الضخمة قد تصبح بلا معنى، كما أن امتلاك التقنية الجاهزة وحده لا يكفي، ما دام الفرد أو المنظمة غير قادرة على إنتاج مثلها، وتطويرها واستخدامها في أقل الأحوال. ولذلك تبذل الدول جهدًا كبيرًا في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والدخول في المنافسة العالمية للحصول على أكبر قدر من الموارد، ولعل أبرزها الاستثمار في الموارد البشرية، واستقطاب الكفاءات منها.
ويمكن تصنيف الناس بالنسبة إلى قدرتهم على تصميم وبناء واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أربعة مستويات، المستوى الأول هم العلماء المتخصصون في بناء خوارزمياتها، والمستوى الثاني هم المهندسون المتخصصون في تكييف هذه الخوارزميات، ومعالجتها لتتلاءم مع احتياجات السوق، والمستوى الثالث هم الذين يتعاملون مع التطبيقات ويوظفونها في السياقات المتنوعة من صحة وتعليم وهندسة وغيرها، والمستوى الرابع هم المستفيدون من هذه المنتجات.
وبالنظر إلى المؤشرات العالمية، نجد أن أعداد الأفراد في هذه المستويات يمكن أن يشكل هرمًا قاعدته تتكون من المستوى الرابع وهم الفئة الأكبر في مجتمع الذكاء الاصطناعي، ويضيق الهرم كلما صعدنا في المستويات، لنجد أن الأقلية يقفون على رأس الهرم، وهم علماء الذكاء الاصطناعي.
يأتي التحدي أمام الدول في التعامل مع كل فئة من هذه الفئات، من حيث زيادة هذه الأعداد، وتزويدهم بالمعرفة والأخلاقيات اللازمة للتعامل معها. فعلى صعيد العلماء والمهندسين المتخصصين يأتي الدور في الاستثمار في تدريب الكوادر البشرية الموهوبة، واستقطاب الكوادر التي أثبتت نجاحها في هذا المجال. كما أن هناك دورًا مهمًا نادى به كثير من المتخصصين، ومن الممكن أن يخلق مستوى جديدًا يقع قبل المستوى الأخير، وهو المستوى الذي يمكن فيه أن يقوم الافراد والشركات من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى خبرة تقنية عميقة، وذلك من خلال ديمقرطة الذكاء الاصطناعي (Democratizing AI)، وتعني هذه العبارة جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة للجميع، وليست حكراً على فئة معينة من المتخصصين، وتتم من خلال توفير الأدوات والمنصات.
أما المستوى الأخير حيث تقع الأكثرية، فيتطلب من الدول جهدًا لمحو أمية الذكاء الاصطناعي (AI Literacy) والتي تعني تمكين الأفراد من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال وآمن من خلال تزويدهم بالمعرفة والمهارات الأساسية لفهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته، وتأثيراته على المجتمع.
فيما مضى، لم تكن تطبيقات الحاسب الآلي سهلة الاستخدام، مما جعلها محصورة على فئة من الناس هم المتخصصون في مجال الحاسب الآلي، والهواة الذين حركهم الشغف لفهمها وتعلمها. ومع العمل المستمر من قبل هؤلاء جميعًا، أصبحت التطبيقات أكثر سهولة، ولم تعد تتطلب خبرة عميقة في البرمجة حتى يتمكن العامة من استخدامها. وبناء على مثل هذه التسهيلات أصبح من السهل محو أمية استخدام الحاسب الآلي. ومع التطور التقني، والطلب المتزايد تمكنت الشركات من تصميم أجهزة الحاسب بأسعار في متناول اليد.
ومع عصر الذكاء الاصطناعي، والمناداة باستخدامها، ومع الحاجة الملحة لوجود متخصصين في الذكاء الاصطناعي، قادرين على بناء التطبيقات، وآخرون قادرون على الاستفادة منها، أصبح السيناريو السابق مطلبًا ملحًا لتحقيق الاستفادة القصوى لخير البشرية.