أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك محطات وأحداث في مسيرة الإنسان في هذه الحياة يجد لزاماً على نفسه - في كل مرة يعيد شريط الذكريات - أن يقف عندها، ويطيل النظر والتفكير فيها، يحاول أن يفك ألغازها ويسبر أغوارها بتجرد ومصداقية وشفافية ووضوح بعد أن صارت ماضياً من الحياة تصرَّمت أيامه عجلاً وكأنها حلم، لا لشيء إلا أن فيها أحداثاً مفصلية غيَّرت مجرى حياته وأثَّرت في مستقبل عمره الذي يعيشه اليوم بعد أن كان إبان تلك الحقبة من سنواته مجرد غيب يداعب خياله وربما لم يفكر فيه بصورة جدية ويخطط له التخطيط الصحيح الذي يضمن له - بعد توفيق الله وعونه - الاستقرار والأمن المعيشي والوظيفي والسكن النفسي والأسري، وقد يلوم اليوم - هذا الناظر في ماضيه - محيطه المجتمعي عموماً، والوالدين خصوصاً، وعلى وجه أخص (الأب) الذي لم يكن يكترث بشكل مباشر في مساعدته مساعدة حقيقية من أجل نجاحه بالحياة، إما لأنه ترك له الحبل على الغارب ولم يمنعه من الانسياق وراء لهوه ولعبه وعدم جديته في الحياة، أو لكونه كان منشغلاً عنه في اللهث وراء الكسب المادي؛ ظناً منه أن هذا هو السبيل الصحيح لتأمين حياته وحياة ذريته من بعده، وما علم هذا الأب أن رأس ماله الحقيقي وثراءه الفعلي هم أبناؤه وبناته الذين سيعيشون زمناً غير زمانه الذي هو فيه، وسيواجهون في حياتهم مصاعب وتحديات، وفي ذات الوقت سيكون أمامهم فرص وتجليات، يجب عليه باعتباره ولي أمرهم أن يرسم لهم منهجاً سليماً في حياتهم المستقبلية يضمن لهم من خلاله القدرة على تجاوز الصعاب واصطياد الفرص بنجاح، ويربيهم على القدرة والتمكّن من التميّز والتفوّق في التعامل مع مد الحياة وجزرها والوصول إلى شاطئ النجاة بسلام.
إذا كان حال مَن هم في سني حين يعيدون شريط ذكرياتهم الحياتية التعليمية منها والوظيفية والأسرية فكيف بحال مَن هم اليوم مقبلون على الحياة وقد تعقدت سبلها، واتسعت خارطة المنافسة فيها، وصعبت مراميها، وتقلَّصت فرصها، ولذا كان من الضروري على الآباء وهم الذين يتحسرون على ماضيهم الأسود أو حتى الضبابي ويلقون اللوم على أولياء أمورهم جراء عدم التفكير الجدي الصحيح في مستقبلهم الذي هو واقعهم الحياتي اليوم، عليهم ألا يجعلوا حياة ذرياتهم كما هي تجربتهم في هذه الدنيا، لنقل لهم (لا) ولا ننساق وراء رغباتهم الآنية، ولنكن معهم جنباً إلى جنب في منعطفات الطريق ولا نتركهم يخوضون تجربة النجاح والفشل الحياتي وحدهم، ولنعلم أن المنافسة في ميادين الحياة المختلفة اليوم وغداً صعبة وشرسة وذات صبغة عالمية لا داخلية محلية، وأننا في زمن المهارة المقترنة بالمعرفة، وليكن ديدننا الدعاء لهم صباح مساء بالصلاح والاستقامة والنجاح والفلاح في الدارين الدنيا والآخرة، رزقني الله وإياكم صلاح النيَّة والذريَّة.. وإلى لقاء، والسلام.