عبدالله إبراهيم الكعيد
أظن أن الناس قد ملَّت من سماع جملة «فكِّر خارج الصندوق»، وكاتب هذه السطور (قد) يجزم بأن الكثير ممن يرددها لا يعرف ماهيّة الصندوق ناهيك عن شكل التفكير المطلوب سواء كان داخله أو خارجه. يسمعون فيرددون هكذا بكل بساطة. وحكاية اليوم حين بلورتها في رأسي وهممت بكتابتها لم يدر في ذهني أبداً ولو للحظة واحدة التعريف بذلك الصندوق لأنني أتحسس من الصناديق بشكل عام، وأتخيلها في صور شتى معظمها ترتبط ذهنياً عندي بالزحام وبالقيود وصعوبة الحركة وضيق التنفس.
ما علينا..
دعوني أدخل مباشرة إلى تفاصيل الحكاية المثيرة التي قرأتها مؤخراً ووجدت أنها جديرة بإفراد مقالٍ خاص بها في هذه الصحيفة العريقة.
تُنادي المراهقة اليابانية مايو كاساهارا (وهي إحدى شخصيات الرواية) السيّد تورو أوكادا الذي يبحث عن قط زوجته المفقود فوجد نفسه يبحث عن زوجته ذاتها في عالم خفيّ.
تُنادي المراهقة من فوهة أعلى البئر:
- ما الذي تفعله هناك؟
يُجيب السيد أوكادا بكل برود من قاع البئر العميقة: أفكّر
- تُفكّر؟ في قاع البئر؟ يبدو أن المكان غير مريح أبداً!
لو اعتبرنا أن ما دار بين المراهقة كاساهارا والسيد أوكادا جزءاً مقتصاً من حوار في سيناريو لفيلمٍ سينمائيٍ غرائبي الفكرة فهل يمكن القول بأن حال السيد الذي قرَّر بطوعه واختياره النزول إلى قاع بئر عميقة ومهجورة من أجل الانعزال فقط والتفكير في إيجاد حل لمعضلة أعجزته يمكن اعتباره في حدود المعقول أم هي إحدى تقنيات السعي لاستفزاز المُخيلة في كتابة رواية مدهشة؟
الرواية التي أتحدث عنها هنا بعنوان (يوميات طائر الزنبرك) للروائي الياباني الكبير هاروكي موراكامي.
فكرة نزول السيد أوكادا لقاع البئر والتعرّض للهلاك تُعيد القارئ لمفهوم الموت كحقيقة كبرى يتجاهلها البعض فمن سيُفكّر في معنى الحياة لو كان سيعيش على الأبد؟ لهذا حين يتعرَّض الفرد لموقف أو مكان يكون الموت فيه أقرب من الحياة، حينها سيُدرك معنى أنه كان حيَّاً دون أن يفكر في النهاية المحتومة. نعم، بالإمكان الوصول إلى تلك النتائج دون الحاجة إلى تحمّل عناء النزول إلى قاع بئر.
من كل هذا أحاول الوصول إلى بيت القصيد وهو التفكير.
أعرف وأكيد أنكم تعرفون أن هنالك أشخاصاً قد يتخذون قرارات مصيرية على عجل دون تريث وإعطاء النفس مهلة للتفكير بعيداً عن الضغوط المحيطة وعن سخونة الحدث. فتّشوا على سبيل المثال لا الحصر عن حالات الطلاق المتعجّلة التي ندِم عليها لاحقاً من ألحّ على الانفصال.