عبدالله صالح المحمود
تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تحولات جذرية عبر مختلف القطاعات. ويأتي الابتكار والتحول الرقمي في قلب هذه التحولات، بوصفهما ركيزتان أساسيتان لدفع عجلة التنمية وتحقيق رؤية 2030. الرؤية التي أطلقها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تهدف إلى تحويل الاقتصاد السعودي من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد معرفي متنوع يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا كأدوات رئيسية لتحقيق التنمية المستدامة.
ولم يعد الابتكار مقتصرًا على تحسين المنتجات أو تقديم خدمات جديدة، بل تحول إلى محور أساسي في بناء اقتصاد حديث ومرن. الابتكار اليوم يُعد استراتيجية وطنية تهدف إلى خلق بيئة داعمة لنمو ريادة الأعمال وتعزيز القدرات المحلية. في هذا السياق، تلعب الهيئات الحكومية، مثل الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، دورًا محوريًا من في دعم الابتكار وتطوير التكنولوجيا الدفاعية والأمنية والمساندة الوطنية في القطاعين الدفاعي والتقني. تلك الجهود لا تقتصر على قطاع واحد، بل تمتد لتشمل التعليم والصحة والطاقة وغيرها.
على سبيل المثال، تُعد مشروعات مثل «نيوم» و»ذا لاين» رمزًا حيًا للتحول الرقمي الذي تسعى المملكة لتحقيقه. فهذه المشروعات لا تهدف إلى تطوير البنية التحتية فحسب، بل تسعى إلى خلق مدن ذكية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في إدارة الخدمات وتوفير الموارد بكفاءة.
ورغم الإنجازات الكبيرة التي تحققت، لا يزال التحول الرقمي في المملكة يواجه تحديات تحتاج إلى معالجة دقيقة لتحقيق النجاح الشامل. التحدي الأول هو نشر ثقافة الابتكار بين الأفراد والمؤسسات. فالتغيير الرقمي يتطلب تغييرًا في طريقة التفكير والتعامل مع الأعمال، وهو ما تسعى العديد من الجهات إلى تحقيقه من خلال برامج تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة.
التحدي الثاني يتمثل في تطوير البنية التحتية التقنية. وعلى الرغم من التقدم الكبير في هذا المجال، إلا أن المملكة بحاجة إلى مواصلة الاستثمار في تعزيز الشبكات الرقمية وتوفير بيئة آمنة وموثوقة للتعاملات الإلكترونية، خصوصًا في ظل التزايد المستمر في التهديدات الإلكترونية على مستوى العالم.
ويمثل الشباب السعودي أحد المحركات الرئيسية للتحول الرقمي في المملكة، حيث يشكلون نسبة كبيرة من السكان. تمكين الشباب السعودي من خلال تزويدهم بالمهارات الرقمية اللازمة هو العامل الحاسم في تحديد مدى نجاح هذه المبادرات. هنا تأتي أهمية برامج مثل «مسك الابتكار»، التي تهدف إلى دعم الكفاءات الشابة وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في مسيرة التحول الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب الشراكات بين القطاعين العام والخاص دورًا حيويًا في تسريع وتيرة التحول الرقمي. شركات التكنولوجيا المحلية والعالمية تساهم بتقديم حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المملكة في مجالات متنوعة، مثل الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، وتطوير البنية التحتية الرقمية.
والمملكة تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل رقمي متكامل، حيث تطمح إلى أن تكون من الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال. الجهود التي تُبذل اليوم ستثمر عن نتائج ملموسة في المستقبل القريب، وستصبح المملكة نموذجًا عالميًا في كيفية الاستفادة من الابتكار والتكنولوجيا لتحقيق تنمية مستدامة.
في الختام، يمكن القول إن الابتكار والتحول الرقمي ليسا مجرد أدوات تقنية، بل هما اللبنات الأساسية لتحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة للمملكة. الجهود والاستثمارات الحالية ستضع المملكة في طليعة الدول التي تعتمد على المعرفة والتكنولوجيا كمحركات رئيسية لاقتصادها.