الهادي التليلي
المشهد الانتخابي الأمريكي الراهن لا يشبه في أي شيء تلك المشاهد السابقة، إنه مشهد سوريالي تحكمه الكواليس، ويتحمل أعباءه الواقع، ولكن في كل لحظة يشي بأن العالم وخاصة المجتمع الأمريكي بصدد توديع مرحلة ديمقراطية غير مأسوف عليها، مرحلة بدأت وكأنها تشي بنهاية الكون، حيث افتتح بايدن مدته الرئاسية بالتصادم مع العاهل الروسي وأراد استمالة الصينيين لكن دون جدوى، ثم جاءت معركة كرباغ سنة 2020 التي كانت الأيدي الأمريكية المحرك الخفي لرماد نار حرب سابقة، وبعدها كانت الحرب الروسية - الأوكرانية التي أعلن خلالها الحلف الأطلسي دعمه المباشر لأوكرانيا، وكادت أن تكون إعلاناً رسمياً لحرب عالمية ثالثة لولا تفعيل حرب القمح والطاقة من الطرف الروسي التي ضربت كامل أوروبا في العمق والاقتصاد العالمي كارتداد لهذا القصف الطاقي الذي جعل الغرب ينام باكراً نتيجة انحسار الطاقة.
والذي زاد الطين بلة في سياسة الديمقراطيين هو التذبذب في التعاطي مع الملفات الإقليمية، حيث وضع الديمقراطيون يدهم اليمنى مع الكيان الإسرائيلي واليد اليسرى مع إيران، وعندما اختنق أفقهم الانتخابي صنعوا سيناريو السابع من أكتوبر في شكل مسرحي لا يرتقي إلى الهوليودية والأقرب إلى البوليودية، وكان السيناريو بالشراكة في الإنتاج بين أمريكا وإيران وإسرائيل، وقبل ذلك وقع دفع المقابل لإيران بالإفراج عن مبالغ مجمدة، والمقابل سلَّمت إيران حلفاءها لإسرائيل في سياق مواصلة برنامج ملفها النووي، فالديمقراطيون صنعوا المسرحية لإعطاء المشروعية لإسرائيل لتفعل ما بدا لها تحت غطاء أمريكي، في الحقيقة هي ورقة انتخابية تعد الرمق الأخير في سباق انتخابي يكاد يكون محسوماً قبل بدايته لصالح الجمهوريين، حيث اشتعل حريق في الشرق الأوسط لا يدري الديمقراطيون ما سيؤول إليه، لأن المهم بالنسبة إليهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه في السباق الانتخابي، أو على الأقل المحافظة على الفارق الأكاديمي في الهيمنة بين المجلسين، بما أن ورقة استمالة وإرضاء الكتلة الصهيونية في المجتمع الأمريكي لم تعد كافية بل ورقة عكسية، خاصة والخوف من الردود الانتقامية مزق صفحة الأمان التي كان ينعم بها الإسرائيليون قبل هذه المرحلة، فالوضع الاجتماعي والاقتصادي الأمريكي، وتفاقم نسب البطالة، وجر هذه الدولة العظمى إلى حروب ومعارك الأمريكان في غنى عنها، جعل المواطن الأمريكي يتحسر على فترة دونالد ترامب، وجعل الديمقراطيين يغيرون واجهتهم من جو بايدن إلى كاميلا هاريس.
رحيل الديمقراطيين الصاخب يؤكد أن خطة الأرض المحروقة التي مارسوها ساهمت في إحراق صورتهم وستكون سبب خروجهم من سدة البيت الأبيض.