هياء الدكان
في موقف مؤثر وصورة معبرة، ذُكر هذا الكلام الحنون وأثر الحياة الإيجابية ومعايشة اللحظة بجمالها على الإنسان. جاء في هذا الموقف:
«هذه البنت اسمها أنتونيللا. لاحظت أمها وأبوها بعد ولادتها أنه كلما تحدث أبوها، تضحك! فسألوا أباها عن السبب، فقال: دائمًا كنت أتحدث معها، وأضع يدي على بطن أمها وأمسحها بحنية، ولاحظت أنها تتحرك عندما ألمسها كأنها تتجاوب معي.
وفي كل صباح، كنت أقول لها: أنا أحبك، وكانت النتيجة أنها عندما سمعت صوتي بعد ولادتها، عرفته فضحكت لي!»
تذكرت موقفًا مشابهًا حدث قبل سنوات، قصة سمعتها عن معلمة قرآن في إحدى مدارس تعليم القرآن الكريم. كانت المعلمة تُعلم طالباتها وتقوم بما يقوم به معلم القرآن من ترديد وتصحيح التلاوة، وتستمع لقراءاتهم، وتُسمعهم صوتها، الجميل والمؤثر في نفس الوقت، المعلمة كانت حاملًا طوال فترة تدريسها، تُسمع الطالبات قراءتها، ثم تسمع منهن، ثم تُسمعهن تلاوة قارئ آخر، حياة في رحاب القرآن تلاوة وتعليماً وتعلماً وبركة نسأل الله من فضله.
مرت الأيام، وأنهت المعلمة شهور حملها وهي في بيئة مليئة بربيع القرآن الكريم ورياض الذكر التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - إنها رياض الجنة، حيث فيها حياة للقلوب وطهارة للنفس.
سبحان الذي جعل لكل شيء سببًا وعملًا أجرًا والحمد لله، وضعت المعلمة مولودة بسلامة، وكانت الطفلة هادئة وقليلة البكاء، حتى عند حاجتها للطعام وغيره.
وكانت تهدأ تمامًا عند سماع والدتها تقرأ القرآن، وتستمع لها بإنصات عجيب. وكانت أولى كلمة نطقتها الطفلة هي «حم».
مع مرور الوقت، لاحظت الأم أن طفلتها، بينما تلعب بجانبها والأم تؤدي الصلاة الجهرية، تبدأ الطفلة في تكرار ما تقرأه الأم. وما هي إلا فترة قصيرة، وكانت الطفلة، التي لم تبلغ عامين، تُكمل الآيات أو جزءًا منها. مما جعل الأم تلاحظ ذلك وتبدأ بمراجعة القرآن مع ابنتها، ووجدت أن بركة تلك الشهور التي قضتها الطفلة في رحمها، وهي تستمع إلى كتاب الله، كان لها أثر عظيم. فالملائكة تحف تلك الأماكن، وتستجاب فيها الدعوات، والخير ينمو في تلك القلوب الصغيرة.
وهكذا، بحفظ الله، استطاعت الطفلة أن تُتم حفظ كتاب الله كاملًا وهي في سن دون التاسعة، بفضل الله ثم بفضل تلك الشهور المباركة التي عاشتها مع والدتها حفظها الله وحفظ أمها، وجعلها معلمة خير كوالدتها، ورزقها ومن أعانها كل خير وبركة وسعادة وتوفيق.
إنها الحياة التي ننعم بها، ولحظات تمر علينا دون أن نشعر. فهل فكرنا يومًا أن نتوقف، لا أن نقف، بل نتوقف مبتهجين وسعداء باللحظة الجميلة؟ أن نسعد أنفسنا ومن معنا؟ أن نترك بصمة في كل مكان نمر به؟ سواء كانت بكلمة، أو إشارة، أو تحية، أو ابتسامة؟.
الجمال في هذه الحياة كثير، والأجمل أن كل ما تفعله من خير، إذا أخلصت فيه، سيبقى لك أثره إلى دار الخلود. حيث لا ألم، ولا حسد، ولا تعب. الكل سعيد، والجميع قد حقق أمنياته. فلنبدأ اليوم بصنع أمنياتنا، ونعيش اللحظة، ولا ندعها تمر دون أن نسعد ونُسعد من معنا. فاللحظات تمضي، ولا تعود. ومن يذهب قد لا يأتي أبدًا. اصنع أثرك، ليبقى عملك خالداً.
وما عليك إلا أن تجتهد وتحسن إدارة اللحظة وتبحث عن الجمال في تفاصيلها، أو تشجع غيرك على إدارتها، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان والأجمل بعون الله تعالى، والله أكرم الأكرمين.
سبحان الله وبحمده، سبحان الذي جعل لكل شيء سببًا ولكل نية وعملًا أجرا، فاطمئن.