عايض بن خالد المطيري
في زمننا المعاصر تتصاعد فتنة الاستعراض كأحد أعظم الفتن التي تصيب النفوس وتدمر القيم الإنسانية. يتجلى هذا الاستعراض في مظاهر متعددة تبدأ باستعراض الذكاء، مرورًا باستعراض العلم والمعرفة، وصولًا إلى استعراض العلاقات الشخصية، الجمال، وحتى الحياة اليومية مثل السفر والمطاعم الفاخرة. هذه الظاهرة التي اجتاحت المجتمع تحت مظلة التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، تكاد لا تترك جانبًا من جوانب الحياة إلا واستُغلت لإظهار البذخ والتفاخر.
لكن في عمق هذا الاستعراض، تختبئ آثام كبيرة قد لا يدركها ممارسوها. إنها فتنة المباهاة التي تُوقع الإنسان في شَرَك إثم المفاخرة والتعالي.
تلك الممارسات تدمر العلاقات الإنسانية، تزرع في النفوس شعور الكبر والبغض، وتؤدي إلى كسر قلوب الفقراء والمحتاجين الذين لا يملكون ما يُستعرض أمامهم.
ليس هذا فحسب، بل إن الاستعراض يغوي القلوب بتحريك الغرائز والشهوات، ويشجع على الفساد الاجتماعي من خلال ترويج نمط حياة مستحيل التحقيق للكثيرين.
وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة أنها تؤدي إلى تفشي الكبر والنظرة الدونية للآخرين. يتحول الإنسان إلى كائن مغرور يسعى للتفوق الوهمي على من حوله، مما يجعله عرضة للإصابة بالعين والحسد.
وبهذا، لا يعود الاستعراض مجرد ممارسة سطحية، بل يتحول إلى عامل تهديد للأمن النفسي والاجتماعي.
لذا لا بد لنا من التذكير بالتحذير الإلهي من هذه الظاهرة التي تهدم القيم وتفسد الأرض. فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا}.
فتلك الدار هي جزاءٌ لمن لا يسعى لعلوٍّ باطل أو فساد على هذه الأرض، وهي تحذيرٌ من الغرور والتباهي الذي يدمر حياة الفرد والمجتمع.
لنحذر جميعًا من فتنة الاستعراض، ولنتذكر أن القيم الحقيقية تُبنى بالتواضع والشكر لله على ما أنعم به علينا، وليس بالمفاخرة والاستعراض بما نملكه.