هديل الحارثي
في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيير، وتتداخل فيه الحدود بين الواقعي والافتراضي، تجد الأمهات أنفسهن على حافة هاوية، يتأرجحن بين نداء الأمومة الفطري وبين تحديات العصر الرقمي الذي يفرض واقعه الجديد على الأسرة والمجتمع.
لم تعد الأمومة مجرد احتضان ورعاية، بل أصبحت معركة يومية تخوضها الأمهات في سبيل حماية أبنائهن من أخطار العالم الافتراضي، وفي الوقت نفسه، إعدادهم لمواجهة تحديات المستقبل الذي يتشكل أمام أعينهن بسرعة مذهلة.
فبينما تتلاشى القيم التقليدية، وتفسح المجال لمفاهيم جديدة عن الحرية والفردية، تجد الأمهات أنفسهن في مواجهة جيل جديد من الأبناء، يتمتعون بوعي وإدراك يفوق أقرانهم في الأجيال السابقة، لكنهم في الوقت نفسه، أكثر عرضة للتأثيرات السلبية للعالم الرقمي.
منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت ساحة للتفاعل والتواصل، تحولت إلى ساحة معركة أخرى تخوضها الأمهات. فبينما يبحث الأبناء عن ذواتهم وهويتهم في هذا العالم الافتراضي، يقع على عاتق الأمهات مسؤولية حمايتهم من مخاطر التنمر الإلكتروني والإدمان، وتوجيههم نحو استخدام التقنية بشكل إيجابي وبناء.
هذه التحديات الجمة، إلى جانب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة، تجعل الكثير من النساء يتساءلن بقلق: هل ما زالت الأمومة خيارًا ممكنًا في هذا العالم المتسارع؟ هل يمكن التوفيق بين متطلبات الأمومة وبين طموحاتهن الشخصية والمهنية؟
إنها أسئلة وجودية تؤرق الكثير من النساء، وتجعلهن يترددن في الإقدام على خطوة الأمومة، خوفًا من عدم القدرة على توفير بيئة آمنة ومستقرة لأبنائهن في ظل هذا العالم المليء بالتحديات.
لكن الأمومة، على الرغم من التحديات كلها، تبقى غريزة إنسانية متجذرة في أعماق كل امرأة. إنها رحلة شاقة، لكنها في الوقت نفسه، رحلة مليئة بالحب والعطاء والتضحية، وهي تستحق منا جميعًا الدعم والاحترام.
فالأمهات هن صانعات الأجيال، وتربيتهن لأبنائهن هي استثمار في مستقبل المجتمع والإنسانية جمعاء. ولذلك، فإن دعم الأمومة وتمكينها هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق الأسرة والمجتمع على حد سواء.