د. محمد بن أحمد غروي
تعمل الأمم المتحدة بالتعاون مع الدول الأعضاء على إنفاذ القانون الدولي والحد من العمليات الإجرامية العابرة للحدود التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ولعل من أبرز أسباب انتشار هذه الجرائم الدولية ضعف الحكم، والفساد، والخروج عن القانون الدولي.
ورغم أن الجرائم العابرة للمحيطات متنوعة، إلا أن الفاسدين والمجرمين يعتمدون في تجارتهم المحرمة دوليًا بشكل أساسي على الاتجار بالمخدرات، إذ تعد الأكثر ربحًا بالنسبة لجماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وللأسف، رغم التطور المدني والأمني والتقني، فإن الأمم المتحدة تشير إلى أن حجم هذه التجارة قد وصل إلى مستويات غير مسبوقة، فقد أكدت تقارير أممية أن هناك أكثر من 300 مليون شخص يتعاطون المخدرات، بزيادة قدرها 20 % خلال العقد الماضي، بالتزامن مع تصاعد الاتجار بها على المستوى العالمي.
كما جاء في التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن المتاجرين في منطقة «المثلث الذهبي» في جنوب شرق آسيا، تمكنوا من دمج أنفسهم في أسواق محرمة أخرى، مثل الاتجار بالحياة البرية، والاحتيال المالي، واستخراج الموارد غير القانوني.
وقد دعت دول صديقة إلى تعزيز التعاون بين الدول للحد من تلك الجرائم، ولا سيما تهريب المخدرات، الذي يدمر أجيالًا بأكملها، ويحد من خطط التنمية، ويسهل على الأعداء اختراق الدول من أبواب متعددة.
المملكة العربية السعودية، بفضل ثقلها الدولي، عملت على إبرام اتفاقيات بينية في إطار التعاون الأمني، من أبرزها اتفاقية كوالالمبور والرياض لمحاربة الإرهاب الدولي، والجرائم المنظمة، وتهريب المخدرات والأسلحة، وعمليات تبييض الأموال. وقد أثمرت هذه الاتفاقية بعد توقيعها عام 2021، من تعاونها مع ماليزيا لضبط أكبر عصابة دولية لتهريب المخدرات، ومصادرة 16 طناً من حبوب الكبتاغون، قُدرت قيمتها في ذلك الوقت بـ 5 مليارات ريال سعودي وصفت الحكومة الماليزية هذه العملية بأنها الأكبر في تاريخ إدارة الجمارك الماليزية، وجاءت نتيجة التعاون الوثيق بين وزارة الداخلية السعودية والشرطة الملكية الماليزية.
وفي الأيام الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام الماليزية تفاصيل ما أوضحته الشرطة الملكية في مؤتمر صحفي، حيث أشاروا إلى أن التعاون الأمني مع السعودية أسفر عن معلومات مهمة قدمتها وزارة الداخلية السعودية حول شبكة إجرامية متورطة في إنتاج وتهريب المخدرات، حيث تم ضبط الشحنة التي كانت قادمة من أمريكا الشمالية عبر مطار كوالالمبور الدولي، حاول المهربون إخفاء المخدرات في صندوق خشبي لخداع السلطات.
هذه الجهود المشتركة والتعاون المستمر هما المفتاح للحد من العمليات الإجرامية التي تهدف إلى تحقيق الأرباح بطرق غير مشروعة، وإفساد المجتمعات الساعية للنهوض بمستقبل أفضل.
وقد طالبت ماليزيا بتعزيز وتسريع التنسيق بين الدول - على غرار التعاون بين المملكة وماليزيا - لضمان تعزيز التعاون الوثيق بين الوكالات الحكومية وأجهزة الدولة لمكافحة هذه الجرائم. فالجرائم التي تُرتكب من قبل شبكات دولية منظمة تتطلب تنسيقًا فعالًا يسمح لجميع البلدان بمعالجة التهديدات الأمنية بكفاءة ودقة أكبر. فالجهود المحلية وحدها لا تكفي للتعامل مع هذه التهديدات، ولا بد من استجابة دولية سريعة ومنسقة، وتبادل معلومات عابر للحدود، والاستثمار في التكنولوجيا تحت مظلة شراكات قوية لمواجهة الإجرام الشبكي الخفي.