«الجزيرة» - الاقتصاد:
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، انطلقت أمس أعمال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسختها الثامنة، تحت شعار « أفق لا متناهٍ.. الاستثمار اليوم لصياغة الغد»، وذلك في مركز الملك عبدالعزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض.
وقال صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، إن المملكة أنجزت الكثير في «تحول الطاقة» خلال السنوات الست أو السبع الماضية، معتبراً أنه لا توجد أي دولة في العالم مرّت بهذا القدر من التحول في هذه المدة الزمنية الوجيزة وأنجزت ما أنجزته المملكة، ومؤكداً أن هذا التحول يؤكد أن هذه الدولة لا تعرف في قاموسها كلمة «مستحيل».
وأكد سموه في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لمبادرة مستقبل الاستثمار، أن المملكة تحاول تصدير كل أنواع الطاقة، عبر استخدام الاقتصاد الدائري والدخول في مجال التصنيع والمنتجات الهندسية؛ «لأننا نريد أن ننوع الاقتصاد وخلق القيمة وفرص العمل ومرونة سلسلة الإمداد».
واستعرض الأمير عبدالعزيز بن سلمان إنجازات رحلة التحول في المملكة، أبرزها الاتجاه نحو تخزين الغاز وإنشاء مدينتين صناعيتين خصيصاً لهذا الغرض، إضافةً إلى تأسيس شركة للتعامل مع الكيميائيات، وكذلك الانتقال من استخدام سوائل الوقود إلى الغاز، ليس في الكهرباء وحسب، بل في إنتاج المياه.
ولفت إلى إنتاج المملكة 44 جيجا من الطاقة المتجددة، تعادل 50 في المائة من الطاقة الاستيعابية المركبة في بريطانيا، و90 في المائة من الطاقة الاستيعابية المركبة في السويد، و100 في المائة من القدرة الاستيعابية المركبة في سويسرا والنمسا معًا.
وفيما يتعلق بالنمو في إنتاج الطاقة المتجددة؛ أكد وزير الطاقة أن المملكة ستحقق معدل 20 جيجا واط سنوياً، «ولهذا شرعنا مؤخراً في برنامج لاستكشاف طاقة الرياح والطاقة الشمسية يعد الأول من نوعه لاستكشاف مصادر الطاقة المتجددة على مساحة 850 ألف كم2 وهي تتجاوز مساحة ألمانيا وإسبانيا»، وذلك «لجمع بيانات للمواقع الملائمة للاستكشاف والتأكد من امتلاكنا مجموعة من الأراضي المناسبة لتسريع عملياتنا لبدء مشاريع جديدة، حيث يقلل ذلك تكلفة إعادة التطوير ويمسح للبنوك بالإقراض بنوع من اليقين.
وبيّن أن المملكة لا يزال لديها الرقم القياسي في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في دومة الجندل والغاط، إضافةً إلى ما «نقوم به لناحية الانتقال من الوقود السائل إلى الغاز، عبر تحويل 23 جيجا من استخدام الوقود السائل إلى الغاز، ووقعنا لوحدات وتوربينات الغاز، وألزمنا أنفسنا بتخزين الغاز، وكل عقد قمنا بتوقعيه خلال آخر عامين تضمن هذا الالتزام».
وتطرق وزير الطاقة إلى الهيدروجين الأخضر بالقول إن مسؤولين في سابك وأرامكو يجوبون العالم لتسويق الهيدروجين الأخضر السعودي، مؤكداً أن المملكة جاهزة لتصديره بأي كمية وبتكلفة مناسبة، و»نريد التأكد من إتاحة استخدامه للمستثمرين في السعودية». وأكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان التزام المملكة بالحفاظ على 12.3 مليون برميل نفط يومياً كطاقة إنتاجية.
وأشار إلى برنامج كفاءة الطاقة الذي انطلق في المملكة عام 2012 إضافة إلى مشاريع أخرى ذات صلة أُنجزت خلال الأعوام بين 2013 و2016، بمشاركة 20 جهة حكومية وخاصة.وأضاف أن هذا البرنامج حقق خلال أقل من نحو 11 سنة فيما يتعلق بكفاءة تكييفات الهواء ما يمكن مضاهاته بما حققته الولايات المتحدة ويناهز ما حققه الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن المملكة ستواصل مواكبة الركب. وتابع أن ما أنجزته المملكة في تحول وكفاءة الطاقة خلال هذه الفترة يقترب مما حققته دول التعاون الاقتصادي والتنمية في 50 عامًا، مؤكداً أن هذه البرامج «تعمل في المملكة كما تعمل الساعة السويسرية».
من جهته رحّب الرئيس التنفيذي لمؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ريتشارد آتياس، في بداية المؤتمر بأصحاب السمو والمعالي الحضور والمشاركين في أعمال الدورة الثامنة للمبادرة، مقدمًا شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- على رؤيته العظيمة، متناولًا النسخ السابقة لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار وما حققته من إنجازات تسهم في التطور والنمو.وأوضح أن المشاركين في هذه النسخة والنسخ السابقة لهم دور مهم وفعال في جعل نسخ المبادرة أكثر تأثيرًا لتحقيق أهداف المؤتمر، وتحقيق عالم أكثر شمولية واستدامة يوفر فرصًا للجميع.وأعرب ريتشارد آتياس عن طموحه بأن تصبح النسخة الثامنة لمؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار أكثر تأثيرًا لبناء مستقبل أفضل للجميع، متطلعًا للقاء بالجميع في النسخة التاسعة للمبادرة.
بدوره، أوضح معالي محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية رئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار الأستاذ ياسر بن عثمان الرميان، أن المبادرة أصبحت قوة تحويلية للعمل والتقدم وللحلول، وسهلت صفقات بقيمة تزيد على 125 مليار دولار، مفيدًا بأن مؤشر (أولوية) مبادرة مستقبل الاستثمار الذي أطلق هذا الأسبوع يسلط الضوء على القضايا العالمية الملحة مثل عدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع تكلفة المعيشة والتفاوت في الرعاية الصحية والتفاوت الاجتماعي والتوتر السياسية التي تمتد كلها عبر الحدود.وبيّن أن موضوع المؤتمر هذا العام يجسد آفاقًا لا نهائية للاستثمار وتشكيل المستقبل بهدف الوقوف على حافة آفاق غير نهائية، والتركيز على الاستثمارات المستدامة طويلة الأجل التي تعالج التحديات العالمية وتعزز الابتكار وتوفر تأثيرًا دائمًا، مع إعطاء الأولوية للقطاعات التي تقود التحول، ابتداء من تقنيات الجيل القادم وابتكارات الرعاية الصحية وصولاً إلى إشراك الشباب في الرياضة.وقال معاليه:« إن النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مترابطة، ويجب أن تكون هذه في صميم عملية صنع القرار، والعالم غني بالإمكانات غير المستغلة والأسواق الناشئة هي أمثلة للاستثمارات طويلة الأجل، ومن المتوقع أن يتفوق نمو اقتصادات الأسواق الناشئة على اقتصادات الأسواق المتقدمة، مما يؤكد الحاجة إلى الاستثمارات الاستراتيجية في الأماكن التي ستقود الاقتصاد العالمي في المستقبل».وبين أن المملكة تمتلك موارد فريدة وموقعًا جغرافيًا استراتيجيًا دفعها إلى الاستثمار في مجالات حيوية مثل الطاقة والبنية الأساسية والتقنية، مفيدًا بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف 20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030 مما يحول الصناعات ويعزز الإنتاجية ويعالج التحديات الحرجة. وتناول أهمية دور الذكاء الاصطناعي مبينًا أنه بحلول عام 2027 سيصبح دوره محركًا اقتصاديًا معياريًا للقوة الوطنية، وقادرًا على حل المشكلات ودفع الإنتاجية التي ستؤثر في كل قطاع من الرعاية الصحية إلى الطاقة. وأفاد بأن قطاع الطاقة يجسد قوة تحويلية، وبأن كبار الأطراف الفاعلين في مجال الطاقة استثمروا أكثر من 65 مليار دولار في تقنيات منخفضة الكربون منذ عام 2017م، مشيرًا إلى أن الانتقال إلى الاقتصاد الخالي من الانبعاثات يتطلب استثمارًا طويل الأجل يلتزم بضمان انتقال عادللطاقة، وموازنة الاحتياجات الحالية من الطاقة مع رؤية لمستقبل مستدام، مفيدًا أن الهدف ليس فقط تغذية الاقتصادات، بل تمكين مستقبل يدعم الطاقة والثروة للأجيال القادمة.
وأبان أن مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار تلتزم بالشمولية، معربًا عن تطلعه بأن تكون نتائج نقاشات النسخة الثامنة للمؤتمر منصة للتأثير والأثر، وتوفير معيار جديد يسير العائدات المالية والتقدم البشري، وتحويل تحديات اليوم إلى فرص الغد، وبناء مستقبل نابض بالحياة للاقتصاد العالمي وللبشرية جمعاء.
وناقش المؤتمر خلال جلسة حوارية بعنوان «تعزيز التفاؤل بدلًا من الحذر»، أهمية إعادة ضبط التوازن العالمي في ظل تقلبات الأسواق وعدم اليقين بشأن أسعار الفائدة، ودور الذكاء الاصطناعي في دفع عملية التحول الرقمي وتشكيل مستقبل العالم، مع التركيز على إستراتيجيات التعامل مع المخاطر وأهمية تعزيز الابتكار وزيادة الاستثمارات لتحقيق نمو مستدام.
وشارك في الجلسة الحوارية وزير الاستثمار المهندس خالد الفالح، ووزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، ووزير الدولة البريطاني لشؤون الأعمال والتجارة دوغلاس ألكسندر، ومؤسس شركة بريدج ووتر أسوشيتس راي داليو، والمدير المنتدب لمؤسسة التمويل الدولية مختار ديوب. وأكد المهندس الفالح أن المملكة تبذل ما بوسعها لإحلال الأمن والازدهار، واستطاعت مواجهة مختلف التوترات الجيوسياسية عالميا بفضل متانة اقتصادها، مفيدًا أن الاقتصاد السعودي قادر على مواجهة التحديات بشكل قوي، مستعرضًا الزيادة في الناتج المحلي التي بلغت نسبتها 70 في المائة منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، والنتائج التي حققتها في مجموعة العشرين وبلوغها المرتبة الثانية كأسرع نمو بين اقتصادات المجموعة.
وكشف الفالح عن النمو الكبير في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تجاوزت قيمتها الأهداف المحددة العام الماضي التي بلغت 26 مليار دولار، ونمو عدد التراخيص للشركات الدولية التي زادت بعشرة أضعاف عما كانت عليه قبل رؤية 2030 مما يعكس تقدمًا كبيرًا في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة.
وأفاد برنامج المقرات الإقليمية، كان يستهدف استقطاب 500 مقر إقليمي بحلول عام 2030، وتجاوز هذا الهدف، حيث وصل اليوم إلى 540 شركة عالمية اختارت الرياض مقرًا إقليميًا، مفيدًا أن المملكة أصبحت مركزًا اقتصاديًا في الشرق الأوسط، مستعرضًا الإنجازات الكبيرة المحققة في القطاع السياحي، ومنها تسجيل 100 مليون زيارة سياحية خلال العام الماضي، وزيادة عدد رخص المستثمرين الأجانب عشرة أضعاف منذ انطلاق رؤية 2030. وتطرق المهندس الفالح حول معدلات التضخم، والتقدم المحرز في السيطرة عليه ليتم خفضها إلى مستويات معقولة، وتراجع معدلات الفائدة في العديد من الدول، حيث بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالفعل في دورة خفض الفائدة والتيسير الكمي، ولم تسجل اقتصادات مجموعة العشرين حالات ركود كبيرة. وبين أن ثقة المستثمرين قد ارتفعت بنسبة 50 في المائة مقارنة بالفترة السابقة.