عايض بن خالد المطيري
في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت العديد من القيم التي كانت تعدّ ثابتة وأساسية في المجتمعات إلى مجرد وسائل للاستعراض والظهور السطحي. أحد أبرز هذه القيم التي شهدت هذا التحول هي «المدح». حيث لم يعد الأمر يتطلب إنجازًا حقيقيًا أو موقفًا جليلًا لتنال عبارات الإعجاب والتقدير، بل أصبح كل ما تحتاجه هو مقطع فيديو أو «شيلة» ترافق صورة، أو فعلاً عابرًا ليغرقك الناس بعبارات المدح مثل «ونعم» و»كفووو».
ما كان في السابق شيئًا يُصرف فقط لأهل المواقف الكبيرة والإنجازات الفعلية، أصبح اليوم متاحًا للجميع دون أي تكلفة تذكر. في الماضي، كان المدح غاليًا، لا يُمنح إلا لأشخاص يستحقونه عن جدارة، حيث كان المجتمع حريصًا على أن لا يمنح «النعم» إلا لمن قدم ما يثبت استحقاقه لها. وكما يردد العامة وكبار السن «النعم كايد»، أي أنه ليس متاح بسهولة للجميع، بل يحتاج إلى جهد وتكاليف ومواقف صادقة وباهظة.
ولكن مع التحولات التقنية والاجتماعية الحديثة، ظهرت فئة جديدة من الرجال يمكن أن نصفهم بـ»حديثي الرجولة» أو «حديثي المرجلة»، تمامًا كما تحدث الإسلام والمجتمع عن «حديثي النعمة». فكما أن حديث النعمة يسعى إلى الاستعراض بالمال والمقتنيات دون خبرة حقيقية في التعامل معها، نجد أن «حديثي الرجولة» يستخدمون المدح كوسيلة للظهور والاحترام الزائف، دون أن يحملوا المبادئ التي تتطلبها الرجولة الحقيقية ودون أن يفعلوها، فقط كل ما عليهم يشترون الشيلات ويرفقونها بصورهم يدفعون بها للقروبات.
هذا الواقع يستدعي منا جميعاً مراجعة جادة وضبطًا للمبادئ المجتمعية. لا بد من إعادة ضبط الإعدادات المجتمعية التي باتت تخلط بين الصدق والتزييف، وبين الأصالة والمظاهر السطحية. لا يمكن أن يستمر المدح والاحترام كسلعة تُشترى بأبسط الطرق، عبر مقاطع فيديو أو حفلات وأطباق رز ولحم . يجب أن يعود المجتمع إلى وضعه الطبيعي ويعيد المعايير القوية للمدح، بحيث لا يُمنح إلا لمن يستحق، ويكون بناءً على مواقف فعلية وإنجازات ملموسة، لا استعراضات إلكترونية خالية من الجوهر ومن الواقعية والمصداقية.
إن المجتمع في حاجة ماسة إلى إعادة تفعيل قيمه الأصيلة وتحديد معايير «الرجولة» الحقيقية. تلك الرجولة التي لا تقاس بعدد الشيلات أو المقاطع المنتشرة، بل بمواقف الرجال في الأوقات الحرجة، وبمدى تأثيرهم الإيجابي في محيطهم وفي مجتمعهم وخدمة وطنهم.