د. عيد بن مسعود الجهني
حقيقة نهاية العالم كثيراً ما تشغل العقل البشري، وقد بيَّن القرآن الكريم والسنة المطهرة ذلك بوضوح، أنه يوم عظيم، بيَّنتها علامات الساعة الصغرى والكبرى، هي من أشراط يوم القيامة لأنه يوم عظيم، أمر جلل ليس بالأمر الهيِّن، قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} (الأنبياء 1).
هذا الموضوع المهم كان محل اهتمام علماء الفلك من زمن بعيد، وكل عالم أدلى بدلوه، ونشرت توقعاتهم في كتب ومحاضرات وندوات، فآراؤهم متشتتة متفرِّقة كل حسب ما يتنبأه.
فالإجابة ليست عندهم، إنما عند الله جلّت قدرته الذي خلق هذا الكون الذي يعيش فيه البشر ومن واجبه عدم تدميره.
نهاية العالم في القرآن الكريم والسنَّة المطهرة واضحة لا لبس فيها، وقد جاء بيانها بالتفصيل مؤيَّدة بالآيات الكريمة بنصها القطعي من القرآن الكريم وبالأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن عند البشر فالوضع مختلف، فقد تعدَّدت الدراسات عن نهاية العالم وأولهم الفيلسوف والمنجم الفرنسي (ميشيل دي نوسترادام) الذي أورد (نبوءاته) بكتابه (النبوءات) الذي صدر قبل (450) عاماً وأحد أهم نبوءاته أنه توقَّع أن نهاية العالم ستكون في عام 3797م.
أما علماء الكون في العصر الحديث فقد رؤوا في عام 1990 أن الكون يمر بتسارع وأن الفضاء بين المجرات أصبح في نمو سريع، لكنه لن يستمر إلى وقت طويل.
ولأن علماء الفلك ليسوا متفقين على رأي واحد (كبشر) على تحديد موعد نهاية الكون، فإن دراسات نُشرت في دورية بناس (Pnas) بتاريخ أبريل 2018 بأن العلماء قد توصلوا إلى أن الكون سيتوقف عن التوسع بعد حوالي (65) مليون عام، ثم بعد (100) مليون عام سيبدأ بالانكماش بوتيرة بطيئة، خلال مدد يمكن قياسها بمليارات السنوات، وهذا رأي فيه اختلاف واضح عن المفهوم السابق وتحديداً عام 1990م.
وطبقاً للدراسة المنوَّه عنها في دورية (Pnas) الصادرة في شهر أبريل 2018 فقد توصل العلماء إلى النتائج تلك بناءً على دراسات أُجريت على الطاقة المظلمة (Dark Energy) وقد وجدوا أن هذه الطاقة ليست أبدية ويمكن أن تتبدد مع مرور الوقت.
هذه الطاقة المظلمة محل اختلاف أيضاً بين علماء الفلك؛ فالبعض يذهب إلى القول إنها غير متناهية وبالتالي فإن توسع الكون لا نهاية له، وآخرون يذهبون إلى القول إنها طاقة فانية، ولذا فإن الكون يتوقف عن التوسع.
ولهذه النظرية الأخيرة مؤيِّدون منهم مدير معهد العلوم النظرية بجامعة برنيستون (Princeton University) في نيوجرسي الأمريكية (ستاينهارت) وهو من بين المشاركين بهذه الدراسة، ويذهب إلى القول إن انكماش الكون سيحدث بصورة بطيئة ويتطلب الأمر مليارات من السنين ليفقد نصف حجمه الحالي كما جاء في حديث له مع موقع (Live Science) وينتهي ستاينهارت إلى القول بأنه لا توجد في الوقت الحالي وسائل تمكِّن العلماء من قياس الطاقة المظلمة وأن الزمن هو الكفيل بالإجابة على كل تلك الأسئلة.
على الجانب الآخر كشفت ورقة بحثية نشرت في عام 2022 في (Nature Communications) عدة خطوات إذا حدثت ستواجه العالم أحداث كارثية منها إذا توقف نزول المطر سيحدث الجفاف، يليه جفاف الأنهار ثم تدخل الغابات المطيرة مرحلة الجفاف والموت، وترتفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في هواء الأرض، وهنا لا يعرف أحد كيف يستطيع البشر أن يعيشوا في غياب مصادر المياه الطبيعية ونقص الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون.
وكما نوّهنا فإن إجابة هذا السؤال المهم (نهاية العالم) حددها بوضوح القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة، قال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} (محمد 18)، وقال تعالى: {وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (الزخرف 85)، قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} (القمر 1)، قال تعالى: {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} (القمر 2).
وقد بيَّنت السنَّة المطهرة علامات الساعة الصغرى، وعلامات الساعة الكبرى، التي تقوم فيها الساعة في أحاديث كثيرة منها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم السَّاعة حتَّى ينزل فيكم ابنُ مريم حَكَمًا مُقسِطًا، فيكسر الصَّليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتَّى لا يقبله أحدٌ) رواه البخاري، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (لا تقوم السَّاعة حتَّى يُقبَض العلم، وتكثُر الزَّلازل، ويتقارب الزَّمان، وتظهر الفتن، ويكثُر الهَرْج - وهو القتلُ - حتَّى يكثُر فيكم المالُ فيفيض) رواه البخاري.
ولا مجال هنا لعلماء الفلك أو غيرهم.
السؤال المطروح اليوم: هل نحن في هذا العالم المضطرب بعد الحروب المدمرة في القرن المنصرم (1914، 1918)، (1939، 1945) نعيش في مشهد مشابه للأجواء التي سبقت تينك الحربين سيئتي السمعة.
حقيقة الأمر أن العالم يشهد مسرحاً واسعاً من سباق التسلّح المحموم في قوة الردع النووي، مثلاً يأتي بعد روسيا وأمريكا، الصين تليها فرنسا ثم الدولة العبرية ثم بريطانيا، وهناك دول نووية، الهند وباكستان وكوريا الشمالية، وطهران رغم اتفاقية ملفها النووي فإنها ساعية لا محالة في هدفها لصناعة القنبلة النووية وفي هذا (خرق) صريح لاتفاقية ملفها النووي.