سطام بن عبدالله آل سعد
في ظل التحديات التنموية المعاصرة التي تشهدها المملكة، وتحت مظلة رؤية 2030، يبرز تساؤل جوهري: من يقود الآخر، التخطيط أم الميزانية؟ هذا السؤال لا يقتصر على الجانب النظري، بل يعكس عمق تجربة المملكة في التنمية، كاشفًا العلاقة المعقدة بين التخطيط والميزانية في صياغة استراتيجيات التنمية المستدامة.
تُمثل المملكة نموذجاً بارزاً على أهمية التخطيط الاستراتيجي باعتباره حجر الأساس للرؤية التنموية، حيث تُحدد احتياجاتها وأهدافها بعيدة المدى، والتي تشمل مجالات الصناعة، والطاقة، والسياحة، وتنمية رأس المال البشري. فالتخطيط هنا، هو العملية التي تُعيد صياغة ملامح المستقبل وفق تطلعات المملكة.
مشاريع كبرى مثل نيوم، القدية، البحر الأحمر، وموسم الرياض، تقدم نماذج حية للتخطيط الذي يقود الميزانية. إذ تتماشى هذه المشاريع مع رؤية استشرافية شاملة تستجيب لها الميزانية بمرونة، مما يجعل التخطيط القوة المحركة، وتصبح الميزانية أداة تنفيذية داعمة، تحقق عوائد اقتصادية مستدامة على المدى البعيد.
من جانب آخر، تبرز الميزانية كإطار واقعي يعزز من التركيز على جدوى المشاريع طويلة المدى، حيث تدفع صناع القرار نحو مشاريع تحقق أهداف الاستدامة مثل الطاقة المتجددة والصناعات التحويلية. فهي تتخذ مرجعية تمكّن التخطيط من المرونة المالية المدروسة، وتضع حدوداً للطموح، ما يؤدي إلى التوازن الاقتصادي مع الإمكانيات الواقعية.
التناغم بين التخطيط والميزانية ينعكس في تجربة المملكة الناجحة في تطوير قطاعي الترفيه والسياحة ضمن رؤية 2030، حيث تكرس الميزانية لدعم استراتيجيات تجذب الاستثمارات الأجنبية وتخلق فرص العمل، بينما يعيد التخطيط صياغة الهوية الاقتصادية الوطنية.
إنّ التخطيط والميزانية وجهان لعملية تحول عميقة في مفهوم الاستدامة. فالتخطيط يصوغ الرؤية ويضع حدوداً جديدة لطموح الأمة، فيما تعمل الميزانية كالبوصلة التي توجه الموارد ضمن إطار مدروس؛ حيث يمثّل التوازن بينهما رحلة مزج بين الطموح الاستراتيجي والرؤية الواقعية، ليصبح مستقبل المملكة قائماً على قرارات متوازنة، تعيد تعريف الهوية الاقتصادية وفق معايير الاستدامة العالمية.
بهذا التوازن الذكي، تتحقق استدامة حقيقية؛ حيث يصوغ التخطيط الرؤية البعيدة، وتضبط الميزانية النفقات وفق الإمكانيات الواقعية، فيضمن ذلك تنفيذ المشاريع بكفاءة دون المساس بالاستقرار المالي، ويؤسس لاقتصاد سعودي جديد قائم على الاستدامة كركيزة أساسية في ظل التغيرات والصراعات العالمية.
ويبقى السؤال المهم، ما هي الطريقة المثلى لبناء منظومة متكاملة تعزز التناغم الاستراتيجي بين التخطيط والميزانية، بحيث تُمكّن كل القطاعات من تحقيق استدامة اقتصادية واجتماعية، تلبي تطلعات المستقبل وتواجه تحدياته بمرونة وابتكار؟
** **
- مستشار التنمية المستدامة