محمد عبدالله العتيبي
علاقتي بالإذاعة قديمة وممتدة منذ ما يقارب خمسة وثلاثين عاماً، عندما كنت في أول سنة من المرحلة المتوسطة، فقد كان في منزلنا حينها ذلك المذياع الروسي الشهير بحجمه الكبير الذي كان منتشراً في كثير من البيوت للاستماع للإذاعة، وكذلك كنت أتسلل في كثير من الليالي لسيارة والدي -رحمه الله- الكابريس القديمة موديل 81 واجلس فيها لأحرك موجات الراديو بكل شغف ولهفة؛ بحثا عن القنوات الإذاعية وكنت مستمتعاً وانا استمع لإذاعة الرياض ببرامجها المتنوعة كبرنامج (الأرض الطيبة) و(في ظلال النخيل) و(من البادية) وغيرها، وكان ما يزيد استمتاعي ودهشتي في أن واحد هو حينما كانت تظهر لي بعض إذاعات الخليج وانا اتنقل بين موجات الأثير إضافة لإذاعة مونت كارلو الفرنسية الناطقة بالعربية بترانيمها وما كان يعرض فيها من ثقافة جديدة علي -وأنا في ذلك السن الصغيرة- خصوصاً حينما كان الحديث عن الديانات الأخرى من بعض المذيعين أو الضيوف المختلفين عني عقدياً! وكذلك كنت أستمع لإذاعة لندن بفاصلها الشهير (هنا لندن)، حيث كانت الفرحة لا تسعني حينها لأني كنت أشعر وكأنني ملكت العالم وقريب من الناس استمع لأخبارهم وأتعرف على ثقافاتهم.
الحقيقة أن الإذاعة تأثيرها علي كبير منذ الصغر حالي حال الكثيرون من ابناء جيلي وممن سبقونا ممن أثرت علينا الاذاعات وكان لها دور كبير في تشكيل شخصياتنا ومعرفتنا منذ أن وعينا على هذه الحياة في بداياتنا وكبرنا معها ولازالت ترافقنا.
الإذاعات السعودية تطورت بشكل كبير ولافت وهذا ما ألاحظه، حيث إنني تحديداً من مستمعي إذاعتي الرياض وجدة بشكل خاص، وللأمانة برامجهما جميلة ومتنوعة وفيها مذيعون على قدر كبير من الكفاءة والثقة؛ لأنهم استطاعوا أن يطرحوا مواضيع تلامس واقع الناس بشكل مبسط وتواكب العصر -سواءً كانت اجتماعية أو دينية وصحية- بأحداثه، وبشكل تواصلي تفاعلي حميم بين المذيعين والمستمعين، يشاركون ويطرحون من خلالها آراءهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم بكل رحابة صدر وبكل أريحية، إضافة لمواكبة الأخبار المحلية والدولية وتسليط الضوء بشكل كبير على منجزات وطننا الغالي المملكة العربية السعودية برؤيتها التنموية الطموحة الشاملة من خلال برامج فريدة ومميزة تبث بشكل مواكب ومستمر.
وأنا حين أتحدث عن التطور في اذاعاتنا لا أغفل بلا شك عن التطوير الكبير في القنوات التلفزيونية السعودية، وقد أشرت لها في مقالة سابقة بشكل مقتضب ولعلي أُخصص لها مقالة في المستقبل القريب بإذن الله لأن ما تقدمه يستحق العرض والإشادة.
أتحدث هنا عن الإذاعة لأني وغيري الكثيرين لا يستغنون عنها خصوصاً في سياراتنا وفي تنقلاتنا وأثناء الزحام اليومي إضافة لوجودها في البيوت عند محبي الإذاعة من خلال جهاز المذياع، وعلاوةً على ذلك فقد اصبح الوصول للإذاعات أكثر سهولة من خلال الاستماع لها من جهاز الجوال على منصاتهم الخاصة او التطبيقات المتخصصة، ولأني لاحظت من خلال متابعتي لبرامج إذاعة الرياض وجدة أن الكثير من برامجهم نوعية وقيمة من الوزن الثقيل إضافة للبرامج الترفيهية والخفيفة وهي كذلك قيمة؛ لأنها تراعي اختلاف الأذواق وتشكل استراحة لنفس المتلقي ليجدد نشاطه، وكذلك لديهم كفاءات مميزة من المذيعين والمعدين والمخرجين، ولاحظت أن جمهورهم كبير ويزداد ومن خلال المتصلين الجدد بشكل دائم، وحتى على مستوى القريبين مني لاحظت استماعهم لبرامجهم القيمة والمتنوعة وأصبح هناك وعي لا بأس به لتطوير الذات واستغلال الوقت بكل ما هو مفيد من خلال ما يبثونه، ومن مؤشرات ذلك فقد سمعت بشكل متكرر من بعض المتصلين يشيدون بتلك البرامج ومن يقدمونها وأن لها الفضل الكبير بعد الله في توعيتهم وتثقيفهم وادخال البهجة والسرور الى نفوسهم، وبعض المتصلين اعترفوا بأنهم كانوا يضيعون أوقاتهم في كثير من التفاهات والأمور وغثاء بعض تطبيقات التواصل التي لا ترتقي بهم، وتغيرت أفكارهم وأوضاعهم وانتظمت أوقاتهم وأصبحت نظرتهم فيها الكثير من التفاؤل والإيجابية، وبعضهم اعترف بأنه كان مدمناً بشكل كبير لسماع الأغاني الحزينة وأنها تأخذ الكثير من وقته، وعندما قرر أن يستمع لما تقدمه هاتان الإذاعتان (إذاعة الرياض وجدة) تغير حاله للأفضل وأصبح ملازما وحريصاً على ما يقدمونه، بل إن بعضهم ينتظر في سيارته ويبقى ليستمتع ببرنامجه المفضل والكثير منهم ينشر تلك البرامج من خلال تطبيقات التواصل.
من هذا المنبر أشيد بالجهود الكبيرة التي تقوم بها هيئة الاذاعة والتلفزيون واشكرهم على كل ما يقدمونه من محتوى راقٍ يرتقي بالعقول والذائقة في الإذاعة والتلفزيون، والشكر كذلك موصول لكل القائمين على إذاعتي الرياض وجدة على ما يبذلونه من جهد كبير في تنوع البرامج وحرصهم للوصول لجميع شرائح المجتمع وتلبية رغباتهم، وأهمس في أذنهم كذلك بأن تأثيرهم كبير جداً ومسؤوليتهم كبيرة للمحافظة على ما وصلوا إليه من مكانة وحب ولمواصلة هذا التميز الواضح للجميع. وعلى دروب الحب والارتقاء نلتقي.