سهم بن ضاوي الدعجاني
«لاستدعاء الذكريات لذة، وفي كتابة المواقف في وقتها أو بعد حدوثها بزمن توثيق لتاريخ ثقافي، خاصة أن معظم الشخصيات التي التقيت بها لها وزنها وتأثيرها وأهميتها، ومن هنا فقد تجمعت لدي على مدى ثلاثين عاماً مضت أربعون مقالة وبحثاً عن بعض الشخصيات السعودية أو العربية، ويعود الفضل في كتابة معظمها إلى تحفيز الصحف والمجلات للكتابة عن بعض الشخصيات عند تكريمها في حياتها، أو بعد رحيلها»، هذا ما كتبه الدكتور عبدالله الحيدري الباحث المعروف في كتابه الجديد «شخصيات وذكريات: مقالات وأبحاث عن أربعين شخصية» الصادر عن دار الثلوثية ، وهنا نتعرف على الدافع الحقيقي من وراء هذا المؤلف الجديد للدكتور الحيدري وهو «استدعاء الذكريات»، تلك «اللذة» التي يجدها أمثاله من الباحثين خاصة أن تلك الذكريات ليست عادية أو عابرة ، إنها توثق حقبة تاريخية للمشهد الأدبي السعودي ، بل هي صفحة ناصعة من صفحات الحراك الأدبي السعودي من خلال عدة زوايا، تهبها «القيمة» و«المكانة» في ذاكرة الثقافة السعودية.
وقد كتب الدكتور الحيدري تلك الملامح ورسمها بأسلوبه الأدبي الرشيق بعد أن وثقها وحفظها عبر السنين. حرصه وشغفه بالأدب والأدباء والثقافة والمثقفين والإعلام والإعلامين خلال أكثر من 38 عاما، متنقلا بين وزارة الإعلام والجامعة والنادي الأدبي بالرياض وحضور العديد من الصالونات الثقافية بمدينة الرياض وخارجها ، فهو وجه إعلامي وقبل ذلك أكاديمي معروف لدى مراكز الدراسات والأبحاث في عالمنا العربي.
وهنا عدد من الوقفات:
غلاف الكتاب رسالة
المتأمل في غلاف الكتاب يجد أنه يضم عدداً من الشخصيات الأدبية: الدكتور محمد بن سعد بن حسين -رحمه الله- والشيخ عبدالله بن ادريس -رحمه الله- والأستاذ محمد الحميد -رحمه الله- والشاعر المعروف زكي قنصل ، وكل الصور المنشورة لهؤلاء الأربعة على الغلاف فيها بعد الحميمية والهم الثقافي المشترك ، فالباحث دخل مجال الإعلام من باب «الأدب» و«الفكر» و«الثقافة» قبل كل شيء.
الجفري لم يتوقف
يكتب المؤلف في ص13 عن الأديب الراحل عبدالله الجفري -رحمه الله-: «غصت في أعماق الأدب السعودي منقباً باحثاً في الصحف والمجلات القديمة في دراستي للماجستير والدكتوراه، وتعرفت عن قرب على إسهامات عدد من كتابنا بدءاً من صدور جريدة أم القرى عام 1423هـ وحتى عام 1443هـ.. ومما لفت انتباهي وجود أسماء بلا موهبة حقيقية تكتب وسرعان ما تختفي ، وأسماء أخرى وصلت مدة لا بأس بها ثم شغلت بعمل أو ظرف اجتماعي وتوقفت.. ومن بين الأسماء التي بدأت بقوة واستمرت دون توقف عبدالله الجفري -رحمه الله-.
مع ابن إدريس
المؤلف كتب سطوراً تفوح وفاءً واجلالاً للأديب الراحل الشيخ عبدالله بن إدريس: «... لم أكن أعرف موقع النادي ، ولم أكن أتصور وقتها أنه يمكن لم هو في سمي أن يرتاد هذا المكان المهيب وأن يلتقي كبار الأدباء والمثقفين الذين تظهر صورهم بين آونة وأخرى في الصحف والمجلات! ، فصرفت النظر عن زيارته ، واكتفيت بالتقاط عنوان النادي البريدي الموجود على معظم إصداراته المتوافرة في مكتبة كلية الآداب بالملز حيث أدرس ، وكتبت خطاباً إلى رئيس النادي الشيخ عبدالله بن إدريس في شهر ربيع الآخر من عام 1404هـ ، متفائلا بالرد والتفاعل مع رغبتي التي دونتها في الخطاب ، ومما قلت : أنا طالب أدرس في الجامعة ولدي شغف بالقراءة ، وأتطلع إلى اقتناء شيء من إصدارات النادي ، وخاصة سلسلة « كتاب الشهر « ثم وضعت اسمي الثلاثي وعنواني البريدي « ثم يواصل المؤلف حديثه الماتع عن هذه الحادثة قائلا : « مضت أيام ، ولا أدري كيف انقضت وأنا في انتظار الرد على خطابي وحيث تأخر بضعة أيام تشاءمت وقلت : لعله لم يصل وضاع في مكاتب البريد ، ولكنني لم أشعر باليأس ، وكنت بين تفاؤل وتشاؤم ، فأحياناً أقول : كيف لأديب كبير مشغول بأعباء النادي واجتماعاته وأعماله أن ينظر في رسالة طالب لم يبلغ العشرين من عمره ....».
لكن الشيخ ابن إدريس خيب ظن المؤلف وفاجأه بإهدائه ( 30 ) كتاباً مع خطاب بتوقيعه - رحمه الله - يقول المؤلف : « وجلست أياماً أقلب هذه الهدايا القيمة في زهو وابتهاج وأطالع بانبهار وشهية مفتوحة للقراءة».
ويقدر الله أن يتولى هذا الشاب الشغوف بالقراءة والطموح رئاسة النادي الأدبي في الرياض عام 1434هـ يعني بعد ( 30 ) عاماً.
الدكتور محمد المشوح ونوادر الكتب
المؤلف يقول عن الدكتور محمد المشوح صاحب الثلوثية المعروفة : « ..... ومع أن الدكتور المشوح في الأساس من المتخصصين في علوم الشريعة والأنظمة ، ويعمل في مجال المحاماة ، فإنه لم يقتصر على تخصصه الدقيق ولا على حرفته وعمله بل مد جسور القراءة في معظم العلوم ، ووطد علاقاته مع معظم المثقفين والأدباء والإعلاميين في المملكة وخارجها ، ويملك مكتبة كبيرة في منزله تحوي نوادر الكتب ، ويحضر معظم دورات ومعارض الكتب بوصفه ناشرا».
معلومة صادمة:
كتب المؤلف في ص 73 تحت عنوان « د . محمد الصالح : رائد في دراسة الأدب في المملكة نسيناه « كان عندي اعتقاد – ربما شاركني فيه كثيرون – أن أقدم رسالة جامعية تتناول الأدب والنقد في المملكة العربية السعودية هي رسالة الدكتوراه التي أنجزها الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشامخ في جامعة لندن ببريطانيا عام 1967م لأنها قديمة ومطبوعة ومتداولة ، غير أنه تبين لي مؤخرا وأثناء الإعداد لكتابي « دليل الرسائل الجامعية في الأدب والنقد في المملكة العربية السعودية ( في الداخل والخارج ) «الصادر في طبعته الأولى عام 2010م عن مركز حمد الجاسر الثقافي في أن الريادة في هذا المجال يتنازعها معه شخص يكاد لا يعرفه أحد من المثقفين ، بل ربما لا يعرفه كثير من المثقفين ، بل ربما لا يعرفه كثير من المتخصصين في الأدب في المملكة ؛ لأنه ابتعد عن المجال الأكاديمي في فترة مبكرة من حياته ، وانخرط في وظائف مهمة خدم فيها الوطن ، لكنها أشغلته عن الأدب والأدباء ، فلم يطبع رسالته ، ولم يتصل بالوسط الثقافي ، ونسي نفسه فنسيناه!!
هذا الكتاب يضم مقالات وأبحاثاً عن أربعين شخصية، وجاء في أربعة فصول :
الفصل الأول : شخصيات أدبية وهي : عبدالله الجفري، عبدالقدوس الانصاري، تركي السديري، محمد الحميد، خالد اليوسف، عبدالله المناع، علي خضران، عبدالله بن ادريس، حمد القاضي، علي العبادي، إبراهيم التركي، محمد العبودي، محمد القشعمي، محمد المشوح واحمد الصالح (مسافر).
الفصل الثاني : شخصيات اكاديمية ، وهم : د. عبدالله الرشيد، د. محمد الصالح، د. محمد الشامخ، د. محمد الصامل، د. سعد البازعي، د. عبدالله ثقفان، د. عبدالمحسن القحطاني، د.أ. احمد المحسن ، د. صالح الغامدي.
الفصل الثالث: شخصيات إعلامية وهي : خالد البنيان ، سعيد شوشه الثبيتي، د. عائض الردادي ، د. عبدالرحمن الشبيلي، محمد عابس ، عبدالله الزيد ، غالب كامل وجميل حجيلان.
الفصل الرابع: شخصيات عربية وهي : إبراهيم الذهبي ، زكي قنصل ، عبدالملك عبدالرحيم، د. حسين علي محمد، د. محمد لطفي الصباغ ، د. يوسف عز الدين ، د. محمد رجب البيومي وعلي جواد الطاهر.