د.عيد بن حجيج الفايدي
اقتربت نهاية الانتخابات الأمريكية (2024) ويسدل الستار.. وتبدأ التحليلات والتقارير الإخبارية تدون ما يحدث، ويدخل المرشح الفائز بوابة البيت الأبيض، سواء كان على رأسه القبعة الحمراء أو المنافس الآخر صاحب القبعة الزرقاء. ومع بداية عمله.. ستختفي كل ملفات الانتخابات والشعارات ويفتح ما يقدم له من ملفات ومن أولها ملف اقتصاد أمريكا.. وينتظر الناخب الأمريكي أربع سنوات قادمة لدورة انتخابية جديدة.. ينتظر تحقيق ما يمكن من وعود.
والشعار الذي يلفت الانتباه في انتخابات هذا العام.. صاحبه مشهور «ترامب» ويرتدي القبعة الحمراء.. مكتوب عليها «لنجعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى» (Make America Great Again) وهناك صيغ متعددة.. منها.. (لنحافظ على عظمة أمريكا) و(اجعلوا أمريكا غنية مرة أخرى) و(لنحافظ على عظمة أمريكا) وعند النظر لتلك الجمل.. من خلال الدلالة اللغوية تؤكد أن أمريكا كانت عظيمة.. ويبقى السؤال «هل أمريكا دولة عظيمة؟» وهذا السؤال تم مناقشته في داخل وخارج أمريكا.. فهو سؤال متداول وليس عليه خطوط حمراء أو سوداء . وتم تداوله بمستويات مختلفة وفي برامج محطات تلفزيون محلية، ومن ذلك مسلسل تلفزيوني أمريكي بعنوان (The newsroom) تم مشاهدته عام (2012) ومازالت حلقاته في تطبيقات شبكة المعلومات «الإنترنت» وعدد حلقاته (25) حلقة حوارية وفي أول حلقة تم طرح السؤال: «لماذا أمريكا هي أعظم دولة في العالم» وكانت هناك إجابات مختلفة ومتباينة وصادمة.. والإجابة التي كانت أكثر قوة هي: «نعم أمريكا ليست أعظم دولة في العالم».. وفي حلقة مسلسل «غرفة الأخبار» وضح صاحب الإجابة مبررات تؤيد قوله.. منها مؤشر. ترتيب أمريكا في حقوق الإنسان وغير ذلك من المؤشرات والتصنيفات للدول.. ولم يكن ذاك البرنامج التلفزيوني الوحيد الذي أشار إلى موضوع «عظمة أمريكا»..
بل هناك مقالات وتقارير ومقاطع مرئية كثيرة.. وتمت الإشارة لذلك في مصادر متعددة منها تقرير مركز بحوث التنمية الصيني الذي يقول «أن الولايات المتحدة ستظل القوة العظمى الاقتصادية العالمية الوحيدة في العالم حتى عام 2035».
وأيضا وزير بريطاني سابق قال: «القوة العظمى غير المستعدة للالتزام بشيء ما قد لا تكون على الأرجح قوة عظمى».
وتشير مواقع إخبارية أن «رونالد ريجان»، المرشح الجمهوري للرئاسة عام 1980، هو أول من استخدم شعار «اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وأيضا جورج بوش الأب وضع نفس الجملة على الملصقات خلال حملته الانتخابية، وأيضا تعهد بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992 بالتعهد «بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» أما «ترامب» فقد استخدم الأسلوب التجاري بتسجيل الشعار كعلامة تجارية.. وتحول هذا الشعار إلى منظمة تحت اسم.. (MAGA) ويحمل الاسم الحرف الأول من الكلمات الأربع التي يتألف منها الشعار.
وقال «هوسمان» وهو أستاذ جامعي في جامعة هارفارد على شعار ترامب: (كان السرد الذي استخدمه دونالد ترامب قائما على افتراض مفاده أن الولايات المتحدة سقطت من علياء عظمتها السابقة. فقد انتقلت الوظائف إلى المكسيك والصين لأن قادة ضعفاء تفاوضوا على صفقات خاسرة. واستولى المهاجرون، وأغلبهم غير شرعيين، على القِلة المتبقية من الوظائف، وهذا يعني أن الولايات المتحدة في احتياج إلى رئيس يضع أميركا أولا ويعرف كيف يستخلص أفضل الصفقات من أجلها كلما سنحت أي فرصة، وكيف يستخدم كامل القوة التي تتمتع بها البلاد لتعزيز مصالحها). وهذه العبارات تتناقض مع ما يقال عن العولمة وشعاراتها، والذي ينظر الى هذا الشعار من الناحية اللغوية يستنتج بسرعة أن أمريكا كانت قوية وهي الآن تحتاج الى عودة الى تلك المكانة التي فقدتها.. وأيضا عندما ينظر إلى أرقام إحصاء القوة العسكرية الأمريكية تقول إن أمريكا مازالت عظيمة.. وعندما ينظر إلى عدد الجامعات الأمريكية والتي تجاوزت ستة آلاف جامعة وإنجازاتها العلمية تشير الى أن أمريكا مازالت عظيمة.. وعندما ينظر إلى الاختراعات الأمريكية.. والإنجازات في ميدان الفضاء والنجوم والانجازات في قطاع الصناعة وشبكة المعلومات والسيارات تقول أمريكا عظيمة.. وعندما تشاهد الجلسات الحوارية والتراشق اللفظي بين مرشحي الانتخابات الأمريكية.. تتساءل وتقول هل حقا أمريكا عظيمة؟ لكن في كل الأحوال أن الفجوة بين أمريكا ومؤشرات العظمة تتسع وتبتعد عن أمريكا عند تذكر أحداث عالمية.. مثل قنبلة هيروشيما.. وحرب فيتنام.. وأحداث افغانستان والعراق مرورا بمشكلة فلسطين ولبنان وغير ذلك من مناطق الصراع.. تتأكد آخر جملة قيلت في الحلقة الأولى من برنامج غرفة الأخبار (The newsroom) عندما قيل: «أمريكا لم تعد أعظم دولة في العالم».