أمين شحود
خرجت من الملعب حزيناً أجر أذيال الخيبة بعد خسارة فريقي المفضل، عازماً ترك التشجيع وأن أدع متابعة كرة القدم لأهلها؛ فلست مضطراً إلى حرق أعصابي وتشتيت ذهني وتضييع وقتي وجهدي ومالي، وسماع «طقطقات» أصحابي وزملائي، حتى النساء والأطفال لم يعد ينفع التحايل عليهم بمعلوماتٍ كروية مغلوطةٍ أو ماضٍ غير دقيق.
ما الذي يجبرني على تشجيع فريقٍ يفوز مرة ويخسر مرات؟ يضحكني ساعة ويبكيني سنوات؟ يعطيني أملاً ثم يقتلني؟
عندما تتوالى هزائم فريق ما، قد يصاب «بعض» المتعصبين بالكآبة والإحباط، فيسير أحدهم في الحياة كسيرَ القلب، منفطر الروح، حزين النفس، مضطرب الفؤاد، متعكر المزاج، منخفض الاستحقاق، مهزوز الثقة، ضعيف الإرادة، متنغص السرور.
ويؤثر ذلك على صفاته الشخصية وحياته اليومية ورؤيته للمفاهيم العامة مثل التفوق والانتصار والفوز والإنجاز والانتماء والعدالة والمؤامرة وغير ذلك.
ولكن ما سر حبي لفريق لا ناقة لي فيه ولا جمل؟ أحفظ أسماء لاعبي الفريق أكثر من حفظي لأسماء أقاربي، وفرحتي عند تسجيل أهدافهم أكثر منها عند تحقيق أهدافي في الحياة.
أحبه.. فهو عشق الطفولة منذ نعومة أظفاري، وهو الأكسجين الذي أتنفس، والماء الذي أشرب، والدم الذي يجري في عروقي.
والمحبة من الله، وهي من أسرار وخفايا الروح، والروح من أمر ربي.
جاءت فتاة إلى حكيم وقالت له: إن فلاناً يخطبني، وهو على خلق ودين وعلم ومكانة لكني محتارة.
فقال: ما يحيّرك؟! احمدي ربك.
فقالت: شخصيته جذابة، فأخشى أن يتركني أو يمل مني بعد أن يرى مَن حوله من المعجبات.
فقال: أي فريق يشجع؟
قالت: الفريق الفلاني.
قال: اطمئني، فإن لدى مشجعي ذاك الفريق ولاء ووفاء لا تكاد تجدينه عند أحد.
يا بنيتي، إن الذي ذاق طعم الحب وتعلم الصبر سهلت عشرته، وإنه إن أحبك فسيحبك على علاتك ويصبر على عيوبك بل وسيتغنى بها، وسيكتفي بذاتك ويظل يعشقك ولو أكل عليك الدهر وشرب.. حباً غير مشروط ولا منتهٍ.
وأردف الحكيم: وأنت يا أختاه.. ماذا تشجعين؟
قالت: الفريق العلّاني.
قال: حذاري - بعد أن يجمع الله رأسيكما بالحلال - أن تعايريه بفريقه وتتنمرين عليه أو تمازحينه أثناء وبعد المباراة (وخاصة أنهم يخسرون كثيراً) حتى لا تبيتي ليلتها في بيت أهلك، وسلّكي له ما يقول، واحرصي على قياس ضغطه بعد كل مباراة ومراعاة نفسيته، فإن الزوجة الصالحة تهتم بصحة زوجها.
وبعد أن وصلت للبيت، نفضت غبار التشجيع عن كاهلي، وأعلنت الانفصال، ونمت من دون عشاء، ثم فتحت الجوال صباح اليوم التالي، وإذ بإعلان عن طرح تذاكر لمباراة فريقي، عندها ارتفع هرمون السعادة وتلاشى الألم واختفت ذاكرة الإخفاق، ويكأنه لم يخسر قط.. ويكأنه لم يحدث شيء، وبدأت الحجز.. ومن الحب ما قتل.