محمد بن إبراهيم العرف
يمر الإنسان في حياته بالعديد من الأمور التي تصبح هاجسًا كبيرًا له، تشغل ذهنه وتسكن وجدانه. يسعى بكل ما أوتي من قوة لتحقيق أحلامه، يحارب ويجاهد نفسه ليصل إلى مبتغاه، ويبذل الغالي والنفيس لتحقيق ما يريد. لكنه أحيانًا قد يدفع ثمن هذا السعي على حساب علاقته بأسرته وأحبته، فيعيش في دوامة قاسية، يتأرجح بين النجاح الشخصي وبين خسارة أشياء لا تُعوَّض.
ومع كل هذا السعي، ننسى -أو نتناسى- أننا هنا لمرة واحدة فقط. ننسى أن الحياة لا تُعاد، وأن الوقت الذي يمر لن يعود، وأن بعض اللحظات التي لا نقدرها الآن ستتحول يومًا إلى ذكريات نتمنى لو عشناها كما يجب.
في فترة مضت، كانت لي زيارة إلى بيت جدي. ذلك البيت الذي كان يومًا ما يعجّ بالحياة، مليئًا بالأرواح والنفوس. كان بيتًا لا يهدأ، خصوصًا في أوقات الإجازات، إذ كان يضم مختلف الأعمار والأفكار، وكان لكل زاوية فيه قصة ولكل غرفة فيه ذكرى. لكنه اليوم أصبح خاليًا، وكأنه أصيب بالبكم. لم أعد أسمع فيه تلك الضحكات، أو أرى فيه تلك الوجوه المألوفة.
حينها تذكرت بيت الشعر:
«لا تسأل الدار عن من كان يسكُنها
الباب يخبر أن القوم قد رحلوا»
هذا البيت لامسني بعمق، فهو يعبر عن حال هذا المنزل الذي كان يومًا عامرًا بالمشاعر والذكريات. اليوم، بات أشبه بصفحة طُويت من كتاب حياتي. للأسف، تناسيت أن هذه اللحظات ستأتي، وتناسيت أن بيت العائلة الكبير سيصبح مجرد ذكرى، وأن من كانوا يملؤونه بالأحاديث والضحكات سيرحلون واحدًا تلو الآخر فهذه هي الدنيا.
رحم الله من كانوا لنا عونًا، رحم الله من اشتقنا إليهم، وأسكنهم فسيح جناته.
وفي ختام هذه الحكاية، كانت آخر المغادرين لهذا البيت العظيم خالتي العزيزة. أبارك لها زواجها، وأدعو الله أن يوفقها في حياتها الجديدة. لقد رزقها الله بشريك حياة ندعوا الله أن يكون لها سندًا وعونًا في كل خطوة تخطوها.