د. سامي بن عبدالله الدبيخي
كل فكرة عظيمة تحتاج إلى رجل عظيم يرعاها ويقودها حتى تنضج وتبلغ منتهاها. وهذا بالضبط ما حدث مع تجسيد فكرة مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام في مدينة الرياض. فقد رعى الملك سلمان برؤيته الثاقبة وبعد نظره - حفظه الله ومد في حياته وأدام عزه - فكرة هذا المشروع الضخم أيام كان أميراً لمدينة الرياض ورئيساً لهيئة تطويرها، بداية من صياغة رؤية عمرانية طموحة للمدينة ووضع مخطط استراتيجي يجسدها، ثم دعمها بشبكة متكاملة للنقل العام من قطارات وحافلات بغرض تعزيز البعد الإنساني للمدينة وتحسين جودة الحياة فيها ورفع كفاءة أدائها لوظائفها.
إن مشروع النقل العام في الرياض سوف لن يساهم فقط في تخفيف وطأة الاختناقات المرورية ومعاناة سكانها فيها، بل سيؤدي لإعادة صياغة الشكل العمراني للمدينة بوضع حد لهيمنة السيارة على الفراغ العمراني وإدراج النقل العام كعنصر أساسي في تركيبتها ودعم حركة المشاة كأحد أهم عوامل أنسنة المدينة. هذا فضلاً عن التأثيرات الإيجابية على بيئة المدينة ممثلة في تخفيض بصمتها الكربونية والإيكولوجية؛ أملاً في تحقيق مستهدفات المملكة في تصفير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول 2060.
ما كان لهذا المشروع ليرى النور ويحقق هذا النجاح لولا المتابعة الحثيثة من الملك سلمان - حفظه الله - لجميع مراحله بداية من إعداد «الدراسات الشاملة للنقل العام» إلى إصدار وثائق طرح تنفيذ القطار الكهربائي والحافلات وتشغيلها، ثم رفع خطاب طلب الموافقة لمعالجة مشكلة الازدحامات المرورية ورفع تنافسية الرياض وتحسين جاذبيتها لتصبح واحدة من أهم المدن على المستوى الدولي. وقد حظي المشروع آنذاك بموافقة ودعم من الملك عبدالله - رحمه الله -، وهذا ما دأب عليه ملوك الدولة السعودية في نهجهم لتحقيق التنمية العمرانية ونهضة الوطن ورفاهية المواطن.
واستمراراً على ذات النهج، جاءت توجيهات سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض - لتجسيد كامل معالم النقل العام كمشروع متكامل ومستدام، ليمثل خطوة نحو تحقيق رؤية المملكة وليُكلل مؤخراً بتتويج هذا المشروع الحلم بافتتاحه من مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي كان أول من بذر فكرته.
إن أهمية مشروع النقل العام سوف لن تقتصر فقط على تخفيف الازدحامات المرورية في الرياض بل ستتعداه خاصة بعد تشغيل كامل الشبكة، إلى تأثيرات إيجابية أخرى من شأنها أن تساهم في التحول الاقتصادي والسكاني للمدينة. فمشاريع الرياض الكبرى ستأخذ في الحسبان مشروع النقل العام لتعتمد عليه وترتبط بشبكته لتحقق أقصى استفادة من خدماته. لهذا جاءت المبادرات لتوجيه «التركيبة العمرانية للمدينة» وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع متطلبات المشروع كرفع كثافات البناء وتمازج الاستعمالات عند المحطات وعلى المحاور تعزيزاً لتشغيل شبكة القطارات والحافلات وزيادة عدد الركاب. ومن حسنات المشروع أيضاً تفعيل وتحفيز حركة المشاة وما ينجم عنها من تأثيرات محمودة على الصحة العامة، العضوية والنفسية، للسكان وعلى التفاعل الاجتماعي في الفراغ العام وهو ما يعزز أكثر مبدأ أنسنة المدينة وجودة الحياة فيها.