د. محمد بن إبراهيم الملحم
قبل أيام قليلة من افتتاح مترو الرياض صادف أني كنت مع بناتي في مشوار ضمن مدينتنا الجميلة الأحساء، والتي تتكون من جزأين رئيسين هما الهفوف والمبرز (بالإضافة إلى المدن الصغيرة والبلدات والقرى التابعة للمحافظة) وهما يمثلان قلب الأحساء النابض وأساسها التاريخي، فتحدثت إليهن مما سمعته من كبار السن عن صعوبة الانتقال قديما بين هذين الجزأين والذين التحما اليوم إلتحاما لم تعد تفرق فيه بينهما كما التحمت عرقة بالرياض مثلا أو الدلم بالخرج أو الظهران بالخبر أو بحرة بجدة (مع فارق التشبيه) فقد كان الانتقال من «الهفوف» إلى «المبرز» عبر ممرات بين مزارع نخيل الهفوف التي تفصل هذين الجزأين عن بعضهما وتنتهي هذه الممرات بسبخة قبل أن تلج إلى نخيل المبرز والتي تخترق ممراتها أيضا لتصل إلى أحياء المبرز، وأمام هذا الواقع فقد أمر الملك سعود رحمه الله وغفر له بإنشاء شارع بين الجزأين عبر هذه مزارع النخيل هذه وهو ما أشتهر لدينا بالأحساء باسم الشارع الملكي وهو ذلك الشارع الذي يقع عليه ورش السيارات سابقا (كان هو الصناعية بالنسبة للأحساء) واستمرت فيه إلى الآن محلات قطع غيار السيارات والزينة وبعض خدمات السيارات الأخرى الخفيفة، وهذا الشارع يعتبر نقلة في تسهيل حياة المواطنين آنذاك وضمن إمكانياتهم وطريقة حياتهم ليصبح وصول أهل الهفوف إلى المبرز، ووصول أهل المبرز للهفوف يسيرا جدا وسريعا وآمنا، لا سيما أن بين البلدتين الكبيرتين المكونتين لحاضرة الأحساء الرئيسة علاقات كبيرة ومهمة؛ سواء بين الأهالي في قرابات ونسب أو فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بينهما.
كان حديثي إلى بناتي حول تاريخ هذا الشارع مبهرا فما عرفوا إلا اسمه «الشارع الملكي» وكذلك كل جيلهم (وربما أيضا الجيل السابق والأسبق) ولا أكثر من ذلك ولم يخطر ببالهم وظيفته التي ما عادوا يشعرون بقيمتها اليوم، وهو ما يستدعي دهشتهم فعلا، ومن جانب آخر، فإن قصة الشارع تظهر كعلامة مهمة من علامات الاهتمام بتسهيل حياة المواطنين (بذلك المقياس).
ومن هنا فإني أشير إلى الحدث اللاحق بعد أيام قليلة وهو استكمال افتتاح قطار الرياض أو مترو الرياض والذي طال انتظاره لحل مشكلات اختناق العاصمة الجميلة بالحركة المرورية للسيارات في اتجاهات متعددة بعد أن كانت محصورة في طرق معينة. وأتصور أن القطار سيحدث نقلة نوعية في حياة سكان الرياض بل وسيجلب إليها فرص أفضل لكفاءات بشرية كانت ترفض الانتقال للعمل هناك لما تعيشه المدينة من صعوبة تنقل غير طبيعية وحينما نتذكر أن لدينا في العاصمة خمس مدن (وسط الرياض وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها) وفي كل منها ما يميزه من خدمات ومجالات الأعمال فإن قطار الرياض سيساعد على نمو اقتصادي لكثير من هذه المجالات والتي كان وصول عملائها البعيدين (في مدن الرياض الأخرى) إليها مكلفا جهدا ووقتا، وكانت تعتمد على عملائها المحليين في جهتها لتخرج هذه المجالات في تسويقها من المحلية (شمال الرياض أو شرقها مثلا) لتخدم كل سكان العاصمة بدون استثناء بكل سهولة ويسر. ويمكننا تصور كثير من المنافع والتوجهات الجديدة التي قد تظهر، مما يجعل قطار مترو الرياض لاعبا جديدا game changer في اقتصاديات الرياض وحياتها الاجتماعية.
في ضوء هذه اللقطة الملهمة من لقطات حياتنا المعاصرة والتي نشهد فيها إنجازات وطنية نرفع يد الحمد والشكر لله أن حبانا قيادات تهتم بوطننا وتسهر على راحته وتنشد له الأفضل والأكمل والأجمل، وتتطلع دوما أن تراه منافسا عالميا يجذب له الأنظار من كل مكان وتهفو له أفئدة اقتصادات العالم وتتنافس إليه أفضل الكفاءات والقدرات ويعتز به كل من عاش فيه وذاق طعم الأمن والاستقرار والرفاهية في ظله، وندعو الله أن يطيل في عمر مليكنا الملك سلمان بن عبدالعزيز ويوفق ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان رعاه الله والذي يدأب بكل جد في متابعة مشاريع المملكة العظيمة ويرعاها بنفسه ويوجه دفتها باقتدار، فها نحن اليوم نعيش واحدا من هذه الإنجازات والذي بدأ منذ عهد الملك عبدالله رحمه الله لتستمر سفينة العطاء بعده في أيد أمينة تصل بها إلى بر الأمان، فالحمد لله على هذه النعمة وبارك الله في جهود كل المخلصين من رجال الوطن الذين ساعدوا أولياء أمورنا الكرام على تحقيق أهدافهم الوطنية الرائعة.