أبو حماد ناصر الأنصاري
في الثامن عشر من ديسمبر، احتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية، وهو يوم يهدف إلى الاعتراف بالإرث الغني لإحدى أقدم وأهم اللغات في العالم. لقد تركت اللغة العربية بصمة عميقة في الحضارات المختلفة، بما في ذلك في الهند، حيث تشابكت عبر العصور الثقافات واللغات. العلاقة بين الهند واللغة العربية ليست فقط تاريخية بل هي مستمرة، حيث ساهم الهنود بشكل كبير في تطوير اللغة العربية والحفاظ عليها ونشرها على مر العصور.
اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي لغة من لغات الثقافة والحضارة. فقد ارتبطت اللغة العربية بالحضارة الإسلامية التي أسهمت في تطور العلوم والمعرفة في شتى المجالات. فبفضل العربية، انتشرت الفلسفة والعلوم، وأثر العلماء العرب والمسلمون في كافة أنحاء العالم، من الطب والفلك إلى الرياضيات والفلسفة. كما قال الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله: «إن لغتنا العربية لغة حضارة وثقافة، وقبل ذلك لغة الدين القويم، ومن هنا فإنها لغة عالمية كبرى شملت المعتقدات والثقافات والحضارات ودخلت في مختلف المجتمعات العالمية، وهي مثال للغة الحية التي تؤثر وتتأثر بغيرها من اللغات».
إن نزول القرآن الكريم بالعربية كان له دور كبير في الحفاظ على اللغة العربية. يقول الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9). ومن هنا، فإن القرآن الكريم يعد الضامن لبقاء اللغة العربية لغة خالدة، تُتلى في الصلوات، وتُحفظ في الصدور، وتُدرّس في جميع أنحاء العالم. وهذا يعد ضمانًا لبقاء اللغة في قلوب المسلمين وفي العلوم الدينية.
وبالإضافة إلى ذلك، لا تقتصر العربية على كونها لغة الشعوب العربية فحسب، بل هي لغة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، توحدهم في العبادة وتجمعهم على تلاوة القرآن الكريم باللغة العربية. فهي لغة الصلاة ، لغة الدعاء التي يرفع بها المسلم حاجاته إلى ربه. كما أنها لغة العلم الشرعي التي يستنبط منها الأحكام والشرائع. وبذلك، فإن العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الإسلامية العالمية.
وفي هذا السياق، من المهم أن نؤكد أن اللغة العربية ليست مجرد تراث بل هي هوية وكرامة. يجب على كل مسلم أن يحرص على تعلمها والاعتزاز بها؛ لأن خدمتها خدمة للقرآن الكريم، وإحياؤها إحياء للإسلام. كما قال الشاعر حافظ إبراهيم:
«أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً
وكم عزَّ أقوامٌ بعزِّ لغاتِ»
وبذلك، لنحمل مشعل لغتنا العربية بفخر، وننشر نورها في كل مكان، فهي لغة العلم والإيمان.
الشاعر حافظ إبراهيم يُظهر عظمة اللغة العربية وثراءها اللامحدود، متحدثًا عن الكنوز التي تحتويها هذه اللغة الفريدة، التي تحتاج إلى من يتعمق فيها ويغوص في جمالها ليدرك أسرارها الحقيقية.
«أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟»
** **
- باحث أكاديمي - الهند