سطام بن عبدالله آل سعد
في كل حقبة زمنية، تحمل التحولات التقنية معها طاقة متجددة تعيد تشكيل المجتمعات وتغير نظم العمل والإنتاج بشكل جذري. ومع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي، أصبح الحديث عن التقنية يتجاوز كونها وسيلة، ليغدو أداة أساسية في إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والبيئة. فهي لغة جديدة تتحدث عن تلبية احتياجات البشر، وفي الوقت نفسه، احترام حدود الموارد التي لطالما استنزفتها الأنماط التقليدية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل نحن جاهزون للاستفادة من هذا التحول الكبير؟ وهل لدينا من الإمكانات ما يكفي لتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو مستقبل يمكن الجميع ويحقق العدالة والاستدامة؟
الذكاء الاصطناعي لم يكتف بتغيير الأدوات التي نعمل بها، بل أعاد تعريف الأدوار الوظيفية التي نقوم بها، حيث أصبحت المهارات السابقة، مثل الحفظ والتنفيذ اليدوي، من الماضي، لتحل محلها مهارات التفكير النقدي، والتحليل، والإبداع، وها نحن نرى دولا مثل سنغافورة تدخل البرمجة في المناهج الدراسية للأطفال، بينما تشير التوقعات في الولايات المتحدة إلى اختفاء 70 في المائة من الوظائف الروتينية خلال العقد المقبل.
إن هذه التحولات التقنية لا تأتي دون تحديات، فالأنظمة التعليمية الحالية أصبحت بطيئة في مواكبة سرعة التغير، مما يؤدي إلى فجوة متزايدة بين التعليم وسوق العمل، وهنا تبرز الحاجة إلى نماذج جديدة للتعليم، مثل التعليم المهني في ألمانيا الذي يربط الطلاب مباشرة بسوق العمل، أو تحديث المناهج بشكل دوري كما يحدث في بلد صناعي كالصين، وهذه التجارب تؤكد أن التعليم المرن والمستدام هو الحل لضمان مستقبل أفضل.
ومع ذلك، فالأتمتة التي تكتسح سوق العمل تعيد تشكيله بطرق غير مسبوقة، حيث تختفي الوظائف الروتينية تدريجيا لتحل محلها أدوار جديدة تعتمد على مهارات متقدمة مثل البرمجة وصيانة الأنظمة الذكية، فعلى سبيل المثال، عامل الإنتاج التقليدي أصبح اليوم مبرمجا للروبوتات التي حلت مكانه.
وللتعامل مع هذا الواقع الجديد، تحتاج القطاعات العامة والخاصة إلى تبني سياسات شاملة لإعادة تأهيل موظفيها، فيما يصبح التعلم المستمر شرطا أساسيا للأفراد الراغبين في التطور الوظيفي في سوق العمل.
إن التحولات التقنية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تعد أكثر من كونها مرحلة عابرة؛ فهي تحدٍّ وفرصة في آن واحد. إنها دعوة للتكيف والاستثمار في الإنسان، ولإعادة التفكير في مستقبلنا بما يضمن استدامة مجتمعاتنا وازدهارها. فمن يتقن فن التعامل مع هذه التحولات، سيجد المفتاح لتحقيق التقدم في عالم سريع التغير.
** **
- مستشار التنمية المستدامة