خالد محمد الدوس
ولد العالم الفرنسي (مارسيل موس) في إقليم اللورين بفرنسا عام 1872، وأمضى طفولته محبا للاطلاع والقراءة، وقد تأثر بخاله مؤسس علم الاجتماع الأكاديمي العالم الفذ الشهير «إميل دور كهايم»، الذي عرَّف علم الاجتماع بأنه العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية والبناء الاجتماعي, وبعد انتهائه من التعليم العام التحق بجامعة بوردو، حيث كان دوركهايم أستاذاً للفلسفة في هذه الجامعة العريقة ودرس موس هناك تحت إشراف العلماء ألفريد إسبيناس وأوكتاف هاملين، واوصل تعليمه العالي متخصصاً في الفلسفة والدراسات الأنثروبولوجية، وبدعم من خاله أصبح أستاذاً مساعداً للفلسفة عام 1895 بعد اجتيازه امتحان التدريس في هذا التخصص.
وبعد عدة سنوات قضاها في جامعة بوردو انتقل إلى إنجلترا وانضم للتدريس في جامعة أكسفورد، هذه الجامعة المخضرمة الواقعة في مدينة اكسفورد في إنجلترا، وهي بالمناسبة تعد من أقدم وأعرق الجامعات في أوروبا، حيث تأسست عام 1096م.
وبعد انضمامه التقى مع بعض العلماء الانثروبولوجيين وأبرزهم العالم بإدوارد بورنيت تايلور مؤسس الانثروبولوجيا الثقافية، ثم عاد إلى فرنسا عام 1900 وانضم إلى هيئة التدريس بجامعة باريس، وتولى منصباً مهماً كرئيس لقسم تاريخ الدين والشعوب غير المتحضرة عام 1902، واستمر في التدريس في الانثروبوجيا إلى عام 1930م.
كانت سنوات الحرب العالمية الأولى مؤلمة بالنسبة لموس، فقد مات العديد من أصدقائه في الحرب بمن في ذلك ابن دوركهايم (أندريه) وتوفي دوركهايم حزناً عليه بعد فترة وجيزة، وبعد رحيل خاله واصل عمله ونجح في حفظ الإرث العلمي لدوكهايم من خلال تأسيس مؤسسات علمية مثل المعهد الفرنسي لعلم الاجتماع عام 1924 ومعهد الإثنولوجيا عام 1926، كما تولى كرسي علم الاجتماع في كلية فرنسا, وقد اعتبر مارسيل موس بصفته عضواً في دائرة نفسه عالم اجتماع وعالم أنثروبولوجيا، حيث إن الاثنين موجودان بشكل لا ينفصل عن بعضهما البعض، في الوقت الذي بدأت فيه الأوسط الأكاديمية البريطانية والأمريكية في التمييز بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا, وعندما تم استخدام مصطلح الأثنولوجيا بنفس الطريقة التي يتم بها استخدام الانثروبولوجيا في فرنسا.
ألَّف العالم الراحل العديد من الكتب والمؤلفات في مجالات علم الاجتماع والانثروبولوجيا مثل كتاب التضحية: طبيعتها ووظائفها, وكتاب النظرية العامة للسحر, وكتاب التصنيف البدائي بالمشاركة مع خاله العالم إميل دوركهايم وكتاب الهدية: أشكال ووظائف التبادل في المجتمعات القديمة, وكتاب علم الاجتماع.
كما اهتم موس بعلم النفس بعد أن شارك في مشاريع جمعية علم النفس وأصبح رئيساً لها في عام 1923 وكان من بين أصدقائه علماء النفس شارل بلونديل, وجورج دوما وكتب كثيراً حول الذات والشخص والأنا، وما يرتبط بها من مفاهيم تدخل في حقل الفلسفة وعلم النفس والتحليل النفسي بشكل خاص، مع أنه لم يركز على ولادة علم النفس كحقل علمي وما له من دور في تغير منظور البشرية إلى الذات. وكتب موس يجب الجمع بين علم الاجتماع وعلم النفس وعلم وظائف الأعضاء؛ والهدف من ذلك حسب وجهة نظره تناول الكائن البشري بأكمله الفعلي.
في عام 1936 نشر في مجلة علم النفس دراسة بحثية عن «التأثير الجسدي على السلوك»، وكان من الظواهر التي اهتم بها الارتباك العقلي والتثبيط والأوهام والهلوسة، كلها ظواهر نفسية اهتم بها اهتماماً كبيراً وكان آخر ما كتب مارسيل موس في حياته. انتخب مارسيل لعضوية كوليج دو فرانس عام 1930 وأصبح رئيساً لقسم الاجتماع.
وبعد رحلة علمية ثرية امتدت قرابة 40 سنة، توفي مارسيل موس عام 1950 عن عمر يناهز السابعة والستين بعد أن ترك إرثاً فكرياً ورصيداً معرفياً بشكل كبير في الدراسات الفلسفية والاجتماعية والانثروبوجية والنفسية، وقد جمع رائد علم الانثروبولوجيا الهيكلية الشهير «كلود ليفي شترواس» كتابات موس لأول مرة في كتابه «علم الاجتماع والانثروبولوجيا «، ثم جمعها «فيكتور كارادي» عام 1969 في ثلاثة مجلدات بعنوان: «الأعمال».