الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
مع تطور وسائل الاتصال وتنوعها انتشرت ظاهرة «خيانة المجالس» حيث يقوم البعض ممن تجالسهم بالتصوير والتسجيل دون علمك ولا إذن منك، فيما يقوم البعض بتسجيل مكالمتك دون إذن منك، ومنهم من يعيد رسائلك التي تبعثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لآخرين مكتوبة أو صوتية؛ فيما يقوم البعض بفتح «مكبر الصوت» دون علمك عند محادثته هاتفياً ليسمع آخرين، وهي بمثابة السعي بالنميمة والتفريط بأمن الجليس، وكذلك قيام البعض باستدراج الأطفال في الحديث لا تقل خيانة عن ذلك.
وأمام هذه التصرفات والسلوكيات السيئة المشينة المحرمة شرعاً والمرفوضة عرفاً واجتماعياً، كيف نحمي المجتمع من هؤلاء، وما السبيل الأمثل للمعالجة، «الجزيرة» التقت عددا من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية ليتحدثوا عن رؤيتهم؛ فماذا قالوا؟
المجالس بالأمانات
يقول الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري، أستاذ العقيدة بجامعة القصيم، إن النصوص الشرعية في مسؤولية الإنسان عن كلماته وخطواته وأحرف كتابته، في قول الله تعالى:(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، وفي الحديث الشريف : (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم). والغيبة والنمية، ونشر الفواحش، وتجرءة الناس على فاحش القول ومنكر العمل، وخطورة الوشاية، أو التعليقات المؤذية، ومثل ذلك تصفية الحساب مع قبيلة، أو أسرة، أو دولة، أو عرق بسبب موقف إنسان غلط عليك، وهذا تعميم فاسد يفرق المسلمين.
وتوكيد التفريق بين تداول الكلام العلمي الشرعي وأهمية نسبته لقائله، ومثل ذلك من كان يقصد بكلامه الخصوصية فلا يجوز نشره، مشيراً إلى أن المجالس العامة تكون غالباً متاحة وفيها تسامح فيتحدث الناس بتلقائية، ويجلسون ببساطة، ويعلق بعضهم على بعض، فلا يصح اقتناص صور أو كلمات، أو تسجيل ونشر هذه الأمور وليس من المروءة أن تجالس قوما أمنوك ثم تخونهم، وقد اعتزل بعضهم المجالس العامة لأنها عرضة لمثل تلك الأساليب غير الصالحة للنشر العام وطبيعتهم التحفظ، كما المراسلات الشخصية لها طابع الخصوصية، إلا بإذن أو كان منقولاً للفائدة، والناس يدركون الفروق في ذلك.
تحذير صاحب المجلس
وشدد د. صالح التويجري إلى أنه من حق صاحب المجلس أن يمنع الجوالات، أو يحذر من التلصص على الحديث العام ويحتفظ بصور يجعلها محلا للتداول، كما أن الكمرات الخفية في الشقق والاستراحات التي فيها أقسام نسائية هذه جريمة، والاستماع لحديث أناس يكرهون استماعك مثل أحاديث النساء بينهن، وكذلك مجموعة بينهم تجارة أو عمل يخصهم مثل: مجلس شوري أو صلح ما لم يكن في الحديث مؤامرة إفساد للدين أو الوطن أو الإضرار بأحد من المسلمين، فلا يجوز التستر على مجرم محدث وكشف ذلك يكون لولاة الأمر، مع خطورة الإضافات «البهارات»، أو إضافة فهمك الخاص لمقاصد الآخرين، وتحمل كلامه على فهمك، وتحذير من كثرة خصوصيات المجالس بحيث تكون جل حياة الإنسان خصوصيات، وهي لا تستحق الإخفاء، أو يقول بيني وبينك وهو قد أخبر غيرك، كما ينبغي فهم الأنظمة في خطورة القذف والافتراء وتجريم المخالفات التقنية، وحق المرافعة ضد من آذاك.
وقوع البغضاء
يؤكد الدكتور عبدالله بن علي الجعيثن، أستاذ الحديث والداعية المعروف، أنه ليس من المروءة أن يحدثك شخص بحديث خاص فتذهب راويا لقوله أو تسجل حديثه الخاص إليك وتنشره دون إذنه؛ فهذا يعد من إفشاء السر الذي ائتمنك عليه، والمجالس بالأمانة، ومن ذلك أيضاً أن يرسل إليك تسجيلاً يخصك به فتنشره للناس أو تلتقط له صورة دون إذنه ثم تنشرها وهو في غفلة عن ذلك، كل هذا غير سائغ ومناف للمرؤة وفيه تعدّ على أخيك المسلم، وربما أدّى إلى وقوع البغضاء والشحناء والقطيعة، وربما كان نقلاً على طريق الإفساد فيدخل في النميمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام».
فلنكن على حذر فلا نصوّر أو ننشر أو ننقل عن الآخرين إلا بعد إذنهم أو بقرينة حالية تدل على إذنهم.
قال شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله-: »لا يجوز لإنسان أن يلتقط صورة أحد إلا بإذنه، حتى لو كان يعرف أن هذا الرجل يقول بجواز التقاط الصور».
لا يأمن الجليس جليسه
ويتأسف الدكتور خالد بن عبدالقادر الحارثي، المستشار الاجتماعي، لوجود مثل هذا السلوك المشين يذكرنا بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو يَصِف أيام الهرج والفتن بقوله: «حين لا يأمَن الجليسُ جليسَه «وهو هذا الزمان بكل أسف، حيث ضاعت الأخلاق بين أكثر الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، مع إن الدولة -عزها الله- قد وضعت العقوبات التي تحد من ارتكاب هذه السلوكيات بالسجن إلا أن البعض مازال يتساهل في الأمر.
ويرى د. خالد الحارثي أن يكون من طرق العلاج هو البدء بالأسر حيث يحرص الوالدان على تهويل هذا الأمر أمام الأبناء بدل ارتكابه أمامهم، وكذلك الحال في مجالس الأسر الكبيرة التي تجتمع بصفة دورية أن يؤكد كبارهم وعقلاؤهم على الكل رفض هذا السلوك في مجالسهم، وكذلك الحال في تجمعات الأصدقاء الخاصة لابد من التناصح وعدم التهاون درءً للفتن لا قدر الله سواء ما يخص التصوير أو التسجيل أو فتح مكبر المكالمة دون إذن، ونتذكر قول رَسُول الله صلى الله عليه سلم (الْمجَالِس بالأمانات وَإِنَّمَا يتجالس الرّجلَانِ بأمانة الله عز وَجل فَإِذا افْتَرقَا فليستر كل وَاحِد مِنْهُمَا حَدِيث صَاحبه)، فكلاً مؤتمن على عورة أخيه المسلم ومنها تصويره وتسجيله وتوثيق حديثه أو فعله ومن ثم كشفه سواء بقصد الإيذاء وإيقاع الخلاف أو التنمر عليه لإضحاك الآخرين؛ فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).